الثلاثاء، أكتوبر 06، 2009

هل كتاب (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة حقا؟

السؤال :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين , قاهر الجبارين و المتكبرين , ناصر المظلومين و المستضعفين , المتفضل على عباده أجمعين من الأولين و الآخرين , و الصلاة و السلام على خير البرية محمد و آله الأطهار

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

سماحة الشيخ الجليل ياسر الحبيب, بعد التحية

هناك من الوهابية من يدعي بأن ( الشيعة ليس لهم أسانيد إلى الرسول (صلى الله عليه و آله وسلم ) وهم يقرون بهذا أنهم ليس عندهم أسانيد في نقل كتبهم ومروياتهم وإنما هي كتب وجدوها فقالوا أرووها فإنها حق ، أما أسانيدهم كما يقول الحر العاملي وغيره من الشيعة إنه ليس عند الشيعة أسانيد أصلاً ولا يعولون على الأسانيد فأين لهم أن ما يروونه ثابت من عترة النبي (صلى الله عليه وسلم))؟

وهذا كلام الشيخ الوهابي الناصبي عثمان الخميس , فبم تردون سماحة الشيخ ؟

و بالنسبة لحديث الثقلين , فهذا الرجل يقول لماذا حصر الشيعة أهل البيت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين ؟ ومن بعده الأئمة من ولد الحسين ؟ أليس آل عباس و آل عقيل و آل جعفر و آل علي هم أهل البيت ( كل من يتصل نسبهم إلى بني هاشم ) أرجو منكم سماحة الشيخ أن تفندوا هذه المزاعم , وأن تبينوا لنا الحقيقة

و شكرا

وفقنا الله واياكم بحق محمد وآل محمد



الجواب :

باسمه جل جلاله. وعليكم السلام والرحمة والإكرام. إن هذا الكلام الذي نقلتموه لا يصدر إلا عن الكذاب الأحمق الذي يستفزّه حمقه ليكذب! وردّنا عليه يكون إن شاء الله في نقاط هي:

• من أين جاء هذا المفتري بأن الشيعة لا أسناد لهم تتصل برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذه مجاميعهم الحديثية كلّها تزخر بأحاديث النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) المروّية عن أئمة أهل بيت العصمة (صلوات الله وسلامه عليهم) عبر آلاف الرواة والمحدّثين؟! ومازال فينا ولله الحمد الرواة والمحدّثون الحاصلون على إجازة الرواية ولهم طرقهم التي تنتهي إلى رسول الله وأهل بيته عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام، وعلماؤنا مازالوا مستمرين في إجازة خلفهم برواية ما صحّت لهم روايته وهذه سيرتهم إلى يومنا وإلى يوم القيامة إن شاء الله تعالى. أفبعد هذا يُقال أن الشيعة لا أسناد عندهم إلى رسول الله؟!

بل إن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ليفخرون بأنهم وحدهم - دون سائر الفرق المنتحلة للإسلام - يروون الحديث عن أبناء رسول الله (صلى الله عيه وآله وسلم) الذين هم أعرف بحديث جدّهم وأصدق لهجة من غيرهم وكيف لا وهم عدل القرآن والذين أوصانا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرجوع إليهم وأخذ العلم منهم، وما حديثهم إلا حديث جدّهم عن جبرئيل عن الباري جل وعلا؟!

فإن كان قصد هذا الجاهل أن كثيرا من الأسناد تنتهي إلى إمام من أئمة أهل البيت ولا تتصل بعد ذلك برسول الله (صلى الله عليه وعليهم) وأن هذا دليلا على عدم وجود الأسناد المتصلة إلى النبي؛ أقول إن كان هذا قصده فقد كشف لنا عن ضحالة فهمه! فبغض النظر عن أن أئمتنا (عليهم السلام) كثيرا ما كانوا يحدّثون عن جدّهم رسول الله بذكر سندهم المعروف (عن أبي عن أبيه عن أبيه.. عن جدنا رسول الله) وهذا موجود في آلاف الموارد.. بغض النظر عن ذلك، فإن الأئمة (عليهم السلام) أنفسهم أنبأونا عن أن حديثهم إنما هو حديث النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه، لا تغيير فيه ولا تبديل، فقولهم قول واحد. ولذا عندما جاء جابر إلى الإمام الباقر (صلوات الله عليه) وطلب منه أسناد الأحاديث التي حدّثه بها، قال له الإمام عليه السلام: "حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلوات الله عليهم، عن جبرئيل عليه السلام عن الله عزوجل. وكل ما أحدّثك بهذا الإسناد". (البحار ج2 ص178).

وكذا قال الصادق صلوات الله عليه: "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحديث رسول الله قول الله عز وجل". (المصدر نفسه ج2 ص179).

هذا ونحن نختلف مع القوم أصلا في رؤيتنا للأئمة من أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) نحن نعتبرهم معصومين مبلّغين عن الله سبحانه مباشرة وبلا واسطة، فلا نسألهم عن سند أحاديثهم لأنها بمرتبة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أفهل يسأل سائل رسول الله عن سند حديثه؟!

• إن من أعظم الأدلة على أن طرق الشيعة الحديثية أضبط من طرق غيرهم، أنه مضافا إلى التزامهم النقل عن الصادقين من أهل بيت النبوة (صلوات الله عليهم) فإنهم سبقوا غيرهم في تدوين الحديث وضبطه، ولم يعتمدوا على النقل الشفهي الذي كثيرا ما يقع فيه الخلط والخبط والالتباس، فكان تدوين كتاب سُليم بن قيس الهلالي (رضوان الله عليه) الذي هو أول مصنّف حديثي وصلنا منذ بدء نشوء الإسلام، وكان تدوين الأصول الأربعمئة التي هي عبارة عن أربعمئة كتاب حديثي كتبها الرواة الذين التفّوا حول أهل بيت العلم والحكمة (صلوات الله عليهم) وأخذوا منهم الأحاديث ودوّنوها، وكثيرا ما كان الشيعة من بعدهم يعرضون هذه الكتب والأصول على الأئمة المعصومين (عليهم السلام) للتأكد منها، فكان الأئمة (عليهم السلام) يصحّحونها ويأمرون الشيعة بحفظها ورواية ما جاء فيها.

فمن أين زعم هذا المفتري أن الشيعة أقرّوا أنه ليست عندهم أسناد في نقل كتبهم ومرويّاتهم وإنما هي كتب وجدوها وقالوا: ارووها فإنها حق؟!

إن هذا الادّعاء بلا دليل إطلاقا، إلا إذا كان يقصد الرواية عن مولانا الجواد (صلوات الله عليه) فعندها يتبيّن لنا مدى جهالته وضآلة فهمه! فالرواية تقول: "عن محمد بن الحسن بن أبي خالد شينولة قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم، فلم تُروَ عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا. فقال عليه السلام: حدّثوا بها فإنها حق". (الكافي ج1 ص53).

فالرواية – كما ترى – يسأل فيها السائل الإمام محمد الجواد (صلوات الله عليه) عن مجموعة من الكتب التي هي جزء من الأصول الأربعمئة، والتي دوّن فيها أصحابها ما رووه عن الإمامين الباقر والصادق عليهما الصلاة والسلام. ولأن إرهاب السلطات كان آنذاك شديدا فقد اضطر أصحاب هذه الكتب إلى كتمانها عملا بالتقية الشرعية، لأنهم إذا رووا ما جاء فيها تعرّضوا إلى الهلاك، فيتسبب ذلك في اندثار هذه العلوم أيضا. فما كان منهم إلا أن أخفوها، فتوارث بعض أبنائهم وأقربائهم هذه الكتب، ثم وصلت إلى أصحاب الأئمة اللاحقين (صلوات الله عليهم) فلما نظروا فيها أوجبوا على أنفسهم الرجوع إلى الأئمة لعرضها عليهم وبيان مدى صدقيّتها، وهذا ما حصل من السائل الذي سأل الإمام الجواد (عليه السلام) عنها فقال: "حدّثوا بها فإنها حق".

فأين هذا من مدّعى هذا الغبي الجاهل؟! فإنه نسب هذا القول إلى الشيعة والحال أنه حكم الإمام عليه السلام! والطريف أنه اعتبر ذلك دليلا على زعمه بأنه ليس عند الشيعة أسناد أصلا! فكيف نجمع ذلك مع وجود الأصل المدوّن المروي بسند مباشر عن الإمام المعصوم، ثم لا يُكتفى بذلك بل يُعرض هذا الأصل مرة أخرى على الإمام المعصوم اللاحق لتوثيقه؟! فهل هذا إلا إسناد مُحكم؟!

أرأيت اليوم إنْ نقل ناقل خبرا ما شفهيا وسماعيا، هل تتقبل أنت كلامه أكثر من الذي ينقل الخبر مدّعما بالدليل المصدري التحريري المكتوب الذي لا يقبل اللبس؟ لا شك أنك تقبل الثاني أكثر من الأول، لأن الأول قد يزيد وينقص من كلامه ولو بسبب الاشتباه أو عدم الدقة، أما الثاني فإنه سيكون أوثق في نظرك لأنه سجّل ما رآه ووثّقه، فكيف إذا جاء من تحترمه وتعتبره أنت مقياسا للقبول والرفض فحكم لك بصحّة ما دوّنه الناقل؟ لا شك أنك ستزداد يقينا في قبول خبره. فهذا هو ما حصل عند أسلافنا الأبرار. وهو عين ما يحصل معنا اليوم، فنحن وهم إنما ننقل من المصادر بلا واسطة ولا أسناد، ولا نحتاج للواسطة والأسناد ما دام هذا النقل عن كتاب تحريري مدوّن. وإنما جاء أسلافنا إلى الأئمة (عليهم السلام) للسؤال عن هذه الكتب للاطمئنان إلى ما جاء فيها، فحكم الأئمة (عليهم السلام) بصحّتها.

• إن هذا الغبي نفسه لو تفكّر قليلا لعلم أن شبهته هذه إنما تنطبق عليه وعلى قومه لا علينا! فإنهم قد أخذوا كتاب البخاري واعتبروه صحيحا كلّه مع أنهم إنما وجدوه وانتسخوه بعد هلاك صاحبه! وأزيدك أن صاحبه لم يكن قد انتهى من تبييضه بعد ولذلك وقع في نسخه زيادة ونقصانا وتحريفا وتغييرا وتبديلا! وقد اعترف بذلك ابن حجر إذ قال: "ولم أقف في شيء من نسخ البخاري على ترجمة لمناقب عبد الرحمن بن عوف، ولا لسعيد بن زيد، وهما من العشرة. وإن كان قد أفرد ذكر إسلام سعيد بن زيد بترجمة في أوائل السيرة النبوية. وأظن ذلك من تصرف الناقلين لكتاب البخاري. كما تقدم مراراً أنه ترك الكتاب مسوّدة، فإن أسماء من ذكرهم هنا لم يقع فيهم مراعاة الأفضلية، ولا السابقية، ولا الأسنية. وهذه جهات التقديم في الترتيب. فلما لم يراع واحداً منها دل على أنه كتب كل ترجمة على حدة، فضم بعض النقلة بعضـها إلى بعض حسبما اتفق"! (مقدمة فتح الباري ج7 ص93).

كما ورد عن أبي الوليد الباجي قوله: "وقد أخبرنا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي الحافظ (رحمه الله) ، ثنا أبو إسحاق المستملي إبراهيم بن أحمد، قال انتسخت كتاب البخاري من أصله. كان عند محمد بن يوسف الفربري، فرأيته لم يتم بعد، وقد بقيت عليه مواضع مبيضة كثيرة منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً، ومنها أحاديث لم يترجم عليها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض!

ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي، ورواية أبي محمد السرخسي، ورواية أبي الهيثم الكشميهني، ورواية أبي زيد المروزي ـ وقد نسخوا من أصل واحد ـ فيها التقديم والتأخير. وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم في ما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع ما، فأضافه إليه! ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينهما أحاديث! وإنما أوردت هذا لما عني به أهل بلدنا من طلب معنى يجمع بين الترجمة والحديث الذي يليها، وتكلفهم في تعسف التأويل ما لا يسوغ"! (التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح ج1 ص310).

كما أقرّ بذلك محمود أبو رية إذ قال: "فعدد أحاديث البخاري يزيد في رواية الفربري على عدده في رواية ابن معقل النسفي بمئتين، ويزيد عدد النسفي على عدد حماد بن شاكر النسفي بمئة كما ذكره العراقي"! (أضواء على السنة المحمدية ص307).

فتأمل في هذه الاعترافات من القوم بأن كتاب البخاري إنما كان مسوّدة لا مبيّضة، أي أنه لم ينتهِ منه بعد، وأن النسخ التي انتسخت من أصوله تختلف عن غيرها، من حيث الزيادة والنقصان، ففي بعضها أحاديث لا تكون في الأخرى! فهل بعد هذا تُوجّه هذه التهمة إلى الشيعة أم إلى مخالفيهم الذين عدّوا كتابا مختَلفا فيه أصح الكتب بعد كتاب الله حتى قالوا أنه يجوز الحلف بالطلاق على أنه صحيح كلّه ولن يقع الطلاق لأنه صحيح كلّه ليس فيه شيء غير صحيح! (شرح النووي لكتاب مسلم ج1 ص19).

وأزيدك أن في كتاب البخاري نفسه مراسيل بلا أسناد! فمنها ما رواه عن ابن عباس في (باب وجوب الزكاة) فهو يروي فورا عن ابن عباس بلا سند! (البخاري ج2 ص108). ومنها ما رواه عن أنس في (باب الصلاة على الفراش) فهو يروي فورا عن أنس بلا سند! (البخاري ج1 ص101).

وما هذان إلا مثالان من عشرات الأمثلة، وفي كتابه أيضا روايات منقطعة كثيرة. فما بال هذا الغبي الجاهل لا يطرح كتاب البخاري عن الاعتبار لورود أمثال هذه الروايات التي ليس فيها سند متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله؟! وكيف حكموا بصحة كل ما جاء في هذا الكتاب ومن أين علم البخاري بأن هذه الروايات هي من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو سيرته وليس له إسناد فيها ولم يعرضها على معصوم ليصحّحها له؟!

بل وأزيدك أن هذا البخاري نفسه ضعّفه في الحديث أحد أعظم رجال الجرح والتعديل عندهم! وهو الذهبي حيث اعتبر البخاري من الضعفاء والمتروكين أي الذين لا يُعتدّ برواياتهم! (حكاه عنه المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير ج1 ص32).

بل وأكثر من هذا أعلن الذهبي أن البخاري كان مدلّسا! (سير أعلام النبلاء ج12 ص274).

بل وأكثر من هذا! نقل الذهبي عن أبي الفرج الجوزي وغيره من العلماء أن البخاري – بكل صراحة – كذاب! (ميزان الاعتدال في ترجمته ج3 ص484).

فبعد هذا يأتينا من يعتقد بكتاب هذا البخاري الكذاب المدلّس الضعيف والذي حشا كتابه بالروايات المرسلة والمقطوعة بل والإسرائيليات المخالفة لكتاب الله تعالى في كثير من الموارد؛ يأتينا مثل هذا المعتقِد ليزعم أنه ليس عندنا أسناد متصلة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

ألا ما أكذبَه وأجهلَه! وينطبق عليه وعلى أضرابه مثل: "رمتني بدائها وانسلّت"!

• إن ما زعمه من أن الحر العاملي (رضوان الله عليه) اعترف بأن الشيعة ليس عندهم أسناد أصلا لهو بهتان وافتراء! فلم يقل الحر العاملي ذلك إطلاقا، ولا يمكن أن يتفوّه مثله به، بل هو من أكاذيب هؤلاء الناصبة عليهم لعنة الله أبدا.

نعم قد شرح الحر العاملي (رحمه الله) في مقدّمة وخاتمة الوسائل مبناه ومبنى الإخباريين في اعتبار الأخبار المدوّنة في الأصول الأربعمئة والكتب الأربعة وعدم اشتراط صحة السند في اعتبارها. وهذا يختلف عن زعمهم أنه نفى وجود الأسناد عند الشيعة أصلا! فهو لم ينفِ، كيف وقد أورد الأسناد في أحاديث كتابه وسائل الشيعة؟! بل غاية ما قال أنه يوثّق هذه الروايات بغض النظر عن السند، صحيحا كان أم ضعيفا.

ولا ندري كيف يستمر هؤلاء الناصبة في مسلسل الكذب بعدما بانت عوراتهم في ذلك آلاف المرّات؟! ألا يخجلون ويستحون ويحاولون إثبات مذهبهم الفاسد بغير الكذب؟! ألا يعلمون أن حبل الكذب قصير وأن كذباتهم ستكرّ عليهم وتفضحهم؟! وما هذه إلا كذبة جديدة تضاف إلى سجل كذباتهم فقد تعلّموا الكذب من أمثال عائشة وأبي هريرة والبخاري!

• إن (أهل البيت) بالمعنى العام اللغوي يشمل جميع آل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وذرّيته، غير أن (أهل البيت) بالمعنى الخاص الاصطلاحي - وهو ذلك الاصطلاح القرآني والحديثي والتشريعي - منحصر في من نصّ عليهم النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) على أنهم أهل بيته المعصومون المطهّرون المبلّغون عن الله المنصوبون من قبله للإمامة والولاية. وهؤلاء ليسوا سوى الخمسة أهل الكساء، مضافا إلى التسعة الأئمة من ذرية الحسين، ومجموعهم أربع عشر، عليهم صلوات الله وسلامه وتحياته وبركاته.

ويشهد لخروج من سواهم عن هذا الاصطلاح بالمعنى الخاص الرواية الصحيحة التي رواها المخالفون أنفسهم عن أم سلمة (سلام الله عليها) حيث ورد أنها حاولت الدخول تحت الكساء يوم أن جمع النبي (أهل بيته) وأنزل الله تعالى الآية المعروفة: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" (الأحزاب: 33). فأخرجها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلا: "أنت على مكانك، وأنت إلى خير". (كتاب الترمذي ج5 ص351 ومسند أحمد ج6 ص292 وغيرهما).

فمع أن أم سلمة من أهل بيته (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمعنى اللغوي العام كونها زوجته إلا أنه قد أخرجها عن أهل بيته بالمعنى الاصطلاحي الخاص كونها ليست معصومة ولا بإمام.

وقد اعترف جمع من علماء المخالفين بذلك في معرض حديثهم عن عترة النبي (صلى الله عليه وآله) منهم المناوي إذ قال: "وعترتي أهل بيتي تفصيل إجمال بدلا أو بيانا، وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا". (فيض القدير في شرح الجامع الصغير ج3 ص19).

ومنهم الحكيم الترمذي إذ قال: "فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، وقوله: ما إن أخذتم به لن تضلوا، واقع على الأئمة منهم السادة لا على غيرهم". (نوادر الأصول ج1 ص256).

فلهذا نحصر اصطلاحيا (أهل البيت) بمن ثبت فيه النص عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وفقكم الله لما يحب ويرضى وزرقنا وإياكم شفاعة محمد وآله الميامين الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. والسلام. الثلاثون من شهر رجب لعام 1426 من الهجرة النبوية الشريفة.

ليست هناك تعليقات: