السبت، أكتوبر 31، 2009

اضخم سلسلة بشرية في البحرين تطالب بوقف التجنيس السياسي

إباء : البحرين



نظمت الجمعيات السياسية في البحرين (الوفاق- وعد- أمل – المنبر التقدمي- التجمع القومي-الإخاء الوطني) سلسلة بشرية في موقف إحتجاجي على سياسة التجنيس غير القانوني القائمة بشكل كبير في المملكة والذي تعد اضخم سلسلة بشرية في مملكة البحرين.
وقد شاركت  القوى الوطنية والسياسية والنيابية  بشكل كبير مع الجماهير في هذه السلسلة التي امتدت على شارع الفاتح الواقع شرق العاصمة ،وقد أمتد المشاركون على مسافة كبيرة تجاوزت الأربعة كليومترات, وقد قسمت اللجنة المنظمة منطقة اقامة السلسلة الى (5) خمس قطع تراوح عدد المشاركين في كل قطعة من القطع الخمس مابين اربعة و خمسة الاف مشارك في كل قطعة من القطع الخمس اضافة الى تجاوز اعداد المشاركين المسافة المحددة لذلك ايضاً بواقع نصف كيلومتر , فيما ردد المشاركون شعارات طالبت الحكومة بوقف مشروع التجنيس السياسي واحترام الإرادة الشعبية التي ترفض بغالبيتها وبمختلف أطيافها الدينية والسياسية هذا المشروع الذي تسبب في الكثير من الإنهيارات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية الذي بدأت في مرحلة التصاعد الكبير والمنذر بمؤشرات خطيرة على مستوى المجتمع البحريني.
وقد حمل المشاركون أعلام مملكة البحرين بالإضافة إلى شارات الحملة الوطنية المناهضة للتجنيس السياسي في البحرين.
واعتبروا التجنيس تهديداً استراتيجياً لمستقبل البحرين،محذرين الحكومة من استمرار هذه السياسة في ظل ضعف مستوى الخدمات وتراجع مستوى المعيشة وانهاك ميزانية الدولة،بسبب الزيادة المرعبة في أعداد السكان بسبب التجنيس السياسي الذي يعمد إلى طمس الهوية الديمغرافية والتركيبة السكانية في البحرين, فيما سيطر الحديث عن التجنيس وخطورته على الكثير من منابر الجمعه في هذا اليوم .

كما أصدر المجلس الإسلامي العلمائي في البحرين بياناً داعماً للتحركات الجماهيرية والسياسية ضد التجنيس السياسي،فيما ارتدى نواب المعارضة في المجلس النيابي شارات كتب عليها "لا للتجنيس السياسي".
وجاء في البيان الصادر عن قوى المعارضة السياسية في البحرين التالي :
تعرب اللجنة الوطنية لمناهضة التجنيس السياسي عن قلقها البالغ من إستمرار السلطة في سياسة الصد وغلق الأبواب لإنقاذ الوطن من خطر التجنيس السياسي المدمر الذي فتح الباب على مصراعيه لمشكلات باتت تؤرق المواطنين وتهدد أمن الوطن وسلمه الأمني والإجتماعي.
إن الوطن ليس بحاجة للمزيد من المعوقات في مسيرة النهوض به ورسم آفاق المستقبل، فالتجنيس السياسي القائم وخطره الواضح جعل صورة المستقبل مخيفة جداً لأبناء هذا الوطن، وساد القلق أوساط المواطنين نتيجة لما يلمسونه ويرونه من آثار فتاكة له على المستوى الإجتماعي والأمني والإقتصادي والسياسي والأخلاقي وغيرها.
فقيام السلطة بعملية تجنيس الآلاف من الأجانب يعد إنتقاصاً وأخذاً من حقوق المواطنين، في ظل ما تعانيه البلاد من محدودية الدخل نتيجة لشح الموارد، مما عكس ضرراً جسيماً على مستوى الخدمات وما تقدمه الحكومة من خدمات صحية وتعليمية وإسكانية.
وقد شكل إدخال العناصر الغريبة على المجتمع البحريني إنتهاك له عبر جلب المزيد من المآسي والجرائم والحوادث التي توفرها سياسة التجنيس، الأمر الذي يفرض إستجابة سريعة لإنقاذ البلد من غول التجنيس المدمر الذي يستهدف تغيير هوية البلد والقضاء على السلم الأهلي والإجتماعي.
أصبح من الضروري جداً على السلطة أن تقوم بدورها في الإستجابة للمطالب الشعبية التي عبر عنها المواطنون ويعبرون عنها من خلال هذه الفعالية وغيرها من الفعاليات التي تشكل إستفتاءاً شعبياً أكدوا فيه على رفضهم لسياسة التجنيس المدمرة لحاضر الوطن ومستقبله.
وتشكل هذه الفعالية واحدة من حزمة فعاليات متنوعة قادمة ضمن الحملة الوطنية لمناهضة التجنيس السياسي، وستستمر الحملة إلى أن تجد إستجابة السلطة من خلال خطوات عملية لوقف التجنيس السياسي وصياغة توافق وطني حول هذا الملف للوصول إلى قانون عصري للجنسية متوافق عليه يوقف سيل الأخطار المتدفق وينظم عملية منح الجنسية، وهي ضرورة وطنية تتعلق بمصلحة الوطن والمواطنين.
إن اللجنة تثمن عالياً وتشكر كل المواطنين الغيورين على الوطن وتقدر كل الجهود المخلصة التي بذلت في سبيل إنجاح فعالية السلسلة البشرية وغيرها من الفعاليات الرامية إلى إيقاف الخطر الكبير الناشئ عن التجنيس، وتبعد أي خطر محتمل تتعرض له البحرين جراء هذه السياسة التخريبية والتدميرية.
وتؤكد اللجنة على أن تجاهل مطالب المواطنين لن يعكس إلا إلغاء للرأي الشعبي وإضرار متعمد بمصالح الوطن، لذا فالسلطة مطالبة بالتعامل بوضوح وشفافية من خلال وقف عمليات التجنيس القائمة والكشف عن العدد الحقيقي للمجنسين والإستجابة للمطالبة بالتوافق على قانون حضاري للجنسية لتجنيب الوطن المنزلقات الخطيرة والتهديد المتواصل.
 

اللجنة الوطنية لمناهضة التجنيس السياسي

المكونة من: جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، جمعية العمل الوطني الديمقراطي، جمعية العمل الإسلامي، جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي، جمعية التجمع القومي الديمقراطي، جمعية الإخاء الوطني.

الخميس، أكتوبر 29، 2009

جوانب من حياة الإمام الرضا صلوات الله وسلامه عليه >>> بمناسبة ذكرى ميلاده 11 ذي القعدة




بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وألعن أعدائهم
. أحلى التهاني وأزكى التبريكات نزّفها إلى المؤمنين والمؤمنات كافّة بذكرى مولد ثامن الحجج الأطهار مولانا الإمام الرضا صلوات الله عليه.

حياة الإمام علي بن موسى الرضا مدرسة تفيض بالعطاء، وتشع بالعلم، وتلهم الأجيال أروع دروس الكمال البشري، هذه الشخصية العظيمة كانت قدوة في الأخلاق الفاضلة والصفات السلبية والخصال الكريمة مما جعلها تتسم مقام الذروة من الكمال الإنساني.
ومن الطبيعي يكون الإمام المنصوص عليه من قبل الله تعالى يتصف بصفات لا يتصف بها أحد من الناس فلا بد أن يكون الإمام أعلم الناس وأعدهم وأزهدهم وأفقههم وأكملهم في أخلاقه وشيمه وجميع صفاته، وهذا ما يلمسه المتتبع لتاريخ الأئمة الطاهرين من أهل البيت (ع) والمستقرئ لحياتهم ومنهجهم.
حيث يروي لنا التاريخ الكثير من الأحاديث والروايات والمواقف التي تشهد بفضلهم وعلمهم وتفوقهم على من خالفهم وناوئهم، وجاءت بعض هذه الأحاديث والروايات حتى في خصومهم الذين لم يجدوا الذين لم يجدوا بدأ من الاعتراف بفضلهم، والإقرار بعلمهم.
وسنقتصر هنا ببعض هذه الأحاديث فيما يخص الإمام الرضا، فقد روي عن إبراهيم بن العباس الصولي انه قال: ما رأيت الرضا سئل عن شيء إلا علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب عنه وكان جوابه كله انتزاعا من القرآن المجيد.
وقال رجاء بن أبي الضحاك: كان قد بعثه المأمون لأشخاص الرضا: والله ما رأيت رجلاً كان أتقى لله منه ولا أكثر ذكراً له في جميع أوقاته ولا أشد خوفاً لله عز وجل... ومضى يقول: كان لا ينزل بلداً إلا قصده الناس يستفتونه في معالم دينهم، فيجيبهم ويحدثهم الكثير عن آبائه عن علي عن رسول الله (ص) فلما وردت على المأمون سألني عن حاله في طريقه فأخبرته بما شاهدته منه في ليله ونهاره وظعنه وأقامته، فقال: بلى يا أبن أبي الضحاك هذا خير أهل الأرض وأعلمهم وأعبدهم.
وقال أبن الجوزي في تذكرته والحاكم في تاريخ نيسابور: لقد أخذ العلم والحديث عن أبيه، وكان يجلس في مسجد رسول الله (ص) فيفتي الناس وهو أبن نيف وعشرين سنة، وقال المأمون لمن ثقل عليهم اختياره ولياً لعهده من بني العباس، كما جاء في البحار عن الحاكم الحافظ النيسابوري قال: وأما ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن الرضا فما بايعت له ألا مستبصراً في أمره عالماً بأنه لم يبق احد على ظهرها أبين فضلاً ولا أظهر عفة ولا أروع زهداً في الدنيا، ولا أطلق نفساً ولا أرضى للخاصة والعامة ولا أشد في ذات الله منه، الى غيرها من الأحاديث الكثيرة في فضل الإمام الرضا على من سواه.
ولد الإمام علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) في المدينة المنور سنة (148هـ) أمه جارية أسمها (تكتم) ولقبها الإمام الكاظم (ع) بالطاهرة وكانت معروفة بعظيم خلقها وسمو دينها وكثرة عبادتها، نشأ الإمام الرضا (ع) في ظل أبيه الكاظم (ع) وتلقى علومه على يده مدة وجودة معه (35) سنة فلما توفى الإمام موسى بن جعفر(ع) انتقلت الإمامة أليه وتولى زعامة المدرسة المحمدية التي أرست للأمة دعائم الإسلام.
عايش الإمام علي بن موسى الرضا (ع) في فترة إمامته الكثير من الفتن والمحن القاسية، فإلى جانب موقف السلطة المتعصب والمتشدد من الأئمة (ع) كانت هناك انقسامات واضطرابات أثارها البعض من الذين أظهروا البدع وأنكروا إمامة الإمام الرضا (ع).
فأول ما واجهه الرضا (ع) في مسلسل المحن هي محنة الواقفية الضالة التي ابتدعها بعض المنحرفين الذين شذوا عن الصراط القويم، وتزاغوا عن طريق الحق المتمثل بأهل البيت (ع) في سبيل مصالحهم الشخصية وأغراضهم الدنيوية فقد أدعت هذه الفرقة أن الإمام الكاظم (ع) لم يمت بل رفع الى السماء كما رفع عيسى بن مريم وأنه المهدي ولا أمام بعده.
لقد كانت هذه الفرقة من اشد الناس عناداً للحق فأنكروا موت الإمام الكاظم (ع) مع أنهم رأوا تشيعه وتغسيله وتكفينه ودفنه ولم تقتصر ضلالتهم على أنفسهم بل عمدوا جاهدين على حرف الشيعة عن الإمام الحق وهو الإمام الرضا (ع) وكان الدافع الى دعوتهم هو الاستئثار بأموال كانت عندهم، ذلك أن الإمام الكاظم (ع) كان قد عهد اليهم بجباية الأخماس من شيعته، وقد اجتمع لديهم مبلغ كبير من المال خلال الشطر الأخير من حياة الكاظم (ع) وهو في غياهب السجون، فلما استشهد (ع) في السجن طالبهم الإمام الرضا (ع) بما عندهم من الأموال ففرت بهم الدنيا وأنكروا موت الإمام موسى بن جعفر (ع) وأدعى بعضهم رجوعه من (غيبته) كما رجع موسى بن عمران وكان أقطاب هذه الفرقة علي بن أبي حمزة البطائني وعنده ثلاثون ألف دينار وزياد بن مروان القندي وعنده سبعون ألف دينار وعثمان بن عيسى الرواسي وعنده ثلاثون ألف دينار وأحمد بن ابي بثر السراج وعنده عشرة ألاف دينار وقد حاول هؤلاء الضالون إغراء احد أصحاب الكاظم (ع) بالأموال ولكنهم فشلوا، فقد روى الكشي في رجاله: ان يونس بن عبد الرحمن قال: مات أبو الحسن موسى بن جعفر (ع) وليس من قوامه احد الا وعنده المال الكثير وذلك بسبب وقوفهم وجحودهم موته -ثم ذكروا أسمائهم والأموال التي عندهم - ثم مضى يقول فلما رأيت ذلك وتبين لي الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا (ع) ما علمت تكلمت في ذلك، ودعوت الناس إليه فبعثا لي وضمنا لي عشرة آلاف دينار على أن اكف واترك هذا الأمر فقلت لهما: إنا روينا عن الصادقين أنهما قالا: أذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، فأن لم يفعل سلب الله عنه نور الإيمان وما كنت ادع الجهاد وأمر الله على كل حال، فناصباني وأظهرا لي العداوة.
ويظهر جلياً من هذه الرواية إن هذه الفرقة كانت كاذبة في دعواها ضالة في عملها وألا لما حاولت شراء سكوت يونس بن عبد الرحمن بأموال السحت، وتدلنا رواية النوبختي على مناظرات جرت بين أصحاب الإمام الكاظم (ع) المخلصين المؤمنين أمثال يونس بن عبد الرحمن وعلي بن اسماعيل الميثمي مع هؤلاء المنحرفين حول إمامة الرضا بعد أبيه الإمام الكاظم، لكنها لم تكن ذات جدوى فقد غرتهم الحياة الدنيا وزين لهم الشيطان أعمالهم، قال النوبختي: ولما اشتد الصراع بينهم قال لهم علي بن إسماعيل: ما أنتم إلا كلاب ممطورة، كانت هذه الفرقة الضالة هي الهدية الغالية التي يتمناها بنو العباس الذين كانوا من اجتماع الشيعة الى إمام واحد والتفافهم حوله، خاصة إن هذه الفرقة الضالة قد أنكرت بعض الضرورات الإسلامية وقالت بالتناسخ وان الإمام واحد وتعدد الأئمة من حيث أن هذا الواحد ينتقل من بدن الى بدن الى غيرها من البدع يطول شرحها.
ومهما كان الحال فلسنا بصدد استقصاء البحث عن بدع الواقفية واتجاهاتهم والأسباب التي دفعتهم لذلك، وإنما عرضنا ذلك عنهم من حيث صلتها المباشرة بالإمام الرضا وإمامته التي ظلت تصطدم بالأحداث حتى أخر مراحلها، ورغم إن الإمام الرضا والأئمة (ع) من بعده قد تبرئوا من هذه الفرقة ومن شابهها من الفرق الضالة ومن أصحابها لكن العجيب إن المؤرخين والمؤلفين يحسبون هذه الفرق على الشيعة وينسبون ما ادعت هذه الفرق من البدع والضلالات على عقائد الشيعة والمتتبع لتاريخ أهل البيت يجد إن منهج الأئمة الطاهرين يسمو ويبتعد عن هذه البدع والضلالات، فالإمام المنصوص عليه من الله سبحانه وتعالى بالإمامة يكون تعريفه الى الأمة بواسطة الإمام الذي قبله، فنرى كل إمام منهم (ع) عندما يحس بدنو أجله يكثر من الوصايا بالإمام الذي بعده، لكي لا تختلف الأمة في أمامها وهذا ما فعله الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) فقد أوضح مكانة ولده الرضا (ع) وانه الإمام من بعده، وأكد على انه وارثه ووصية في الإمامة وأوصى أهله وأصحابه بالرجوع إليه في عدة أحاديث، منها انه (ع) كان يقول لبنيه: هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد لفي صلبك وليتني أدركته فأنه سمي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ومنها قوله (ع): أن ابني علياً اكبر ولدي وأبرهم عندي وأحبهم إلي وهو ينظر معي في الجفر ولم ينظر فيه إلا نبي أو وصي نبي.
ومنها قوله: أبني هذا سيد ولدي وقد نحلته كنيتي، وقوله (ع): ابني علي وصيي والقيم بأمري وخير بني وقوله (ع): علي مني بمنزلتي من أبي ثم تلا قوله تعالى: (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) الى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي رواها الثقات من خواص اصحاب الامام الكاظم (ع) حول هذا الموضوع.
بالإضافة الى النصوص العامة على الأئمة ألاثني عشر من النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع) فلقد كان كل أمام يعين خليفته ينص عليه بحضور خاصته حتى لا يدعيها أحد من بعده، ولسنا هنا بصدد الحديث عن حقيقة إمامة الرضا فهي أوضح من الشمس في رابعة النهار، بقدر ما نحن بصدد الحديث عن أهم الجوانب التاريخية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية للأمام الرضا (ع) وأهم الأحداث والمواقف التي جرت في عصره.
أمتاز عصر الإمام الرضا (ع) بأتساع الحركة العلمية فنشط البحث والتدوين والتأليف والتصنيف ونشأت المدارس الإسلامية والتيارات الفلسفية والفكرية، وبدأت حركة الترجمة عن اللغات المختلفة، فكانت هذه الفترة من أغنى فترات الفكر والثقافة الإسلامية، وقد عاش في هذه الفترة كبار العلماء والفقهاء والمتكلمين أمثال الشافعي، ومالك بن أنس، وأحمد بن حنبل وأبي يوسف القاضي، وسفيان الثوري، ومحمد بن الحسن الشيباني وشريك القاضي وغيرهم، فكان الإمام الرضا (ع) وسط هؤلاء كالقطب من الرحى فهو محور التوجيه ومركز الإشعاع ومنطلق الهداية، ومفزع العلماء وملجأ أهل الفكر يناظر على التفسير ويحاور أهل الفلسفة والكلام ويرد على الزنادقة والغلاة حتى جمع محمد بن عيسى اليقطيني المسائل التي أجاب عنها الإمام الرضا (ع) في شتى العلوم فبلغت خمسة عشر ألف مسألة، وكان المأمون العباسي يعقد مجالس المناظرة ويدعوا على المسلمين والمتكلمين وعلماء الأديان الأخرى وأصحاب الدعوات ويدعو الإمام الرضا(ع) للمحاججة والحوار، فلا يخرج هؤلاء من المناظرة إلا وقد أقروا بعلم الامام الرضا (ع) وفضله عليهم ويعبر الإمام الرضا (ع) عن هذه الحقيقة بقوله: كنت أجلس في الروضة والعلماء متوافرون فإذا أعيا الواحد منهم مسألة أشاروا إلي أجمعهم وبعثوا إلي بالمسائل فأجبت عنها.
وإضافة الى علمه وفقهه (ع) فقد تمتع الإمام الرضا (ع) بأدب عال وخلق رفيع ولا يسعنا هنا الحديث عن آداب وأخلاق هذه الشخصية العظيمة مفصلاً، ولكن نورد هنا باقة من صفاته الكريمة عن لسان معاصريه فهذا إبراهيم بن العباس الصولي يصف لنا بعضاً من صفات الإمام الرضا (ع) فيقول: ما رأيت أبا الحسن جفا أحد بكلمة قط ولا رأيته بصق قط ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط بل كان ضحكه التبسم.
وهناك أحاديث أخرى على لسان معاصريه تجسدت فيها أخلاقه (ع) وإنسانيته في تعامله مع الفقراء والخدم فلا ينظر إليهم إلا بعين الإخوة في الله ووحدة النوع الإسلامي ولا يفاضل بين نفسه وغيره ألا بالتقوى.
لقد كان الإمام الرضا (ع) إسلاماً يمشي على الأرض وقرآناً يصدح بالحق، عاصر الإمام الرضا ثلاثة من خلفاء بني العباس وهم الرشيد والأمين والمأمون وفي عهد الأخير ختمت حياته (ع) الشريفة، وقد عانى (ع) مرارة الألم والظلم والقهر والاضطهاد في تلك العهود الثلاثة ففي عهد الأول كان يقاسي مرارة سجن أبيه الكاظم (ع) حتى قضى شهيداً في سجن السندي بن شاهك، ولما تولى الإمام الرضا الإمامة بعد أبيه حاول بعض أصحاب أبيه إبعاده عن مواطن الخطر، فطلبوا منه أكثر من مرة أن يتستر في دعوته ويحتاط لنفسه ولشيعته من أولئك الطغاة الذين يراقبون الله في شيء من أمورهم وتصرفاتهم، ولكن الإمام الرضا (ع) كان قد تلقى عن آبائه ما سيكون من أمره، وان الرشيد على ضلاله وطغيانه لن يصل إليه بسوء فلم يعبأ بتلك المحاولات ولم يغير من سلوكه ونهجه وإظهار الدعوة الى الله، فقد جاء في روضة الكافي عن محمد بن سنان انه قال: قلت لأبي الحسن الرضا في أيام هارون، أنك قد شهرت نفسك بهذا الأمر وجلست مجالس أبيك وسيف هارون يقطر الدم، فقال جرأني على ذلك ما قال رسول الله(ص) لأصحابه: أن اخذ أبو جهل من رأسي شعرة واحدة فأشهدوا بأني لست بنبي وأنا أقول لكم إن اخذ هارون من رأسي شعرة فأنا لست بأمام، وكانت هناك محاولات من قبل هارون لقتل الإمام الرضا (ع) كانت إرادة الله تحول بينه وبين ما يريد حتى هلك هارون.
أما في عصر الأمين فلم يذكر لنا التاريخ أي موقف يدل على ان الامين حاول الفتك بالامام الرضا (ع) أو الاساءة اليه ولعل مرد ذلك الى انصرافه للملذات والشهوات اضافة الى الخلافات التي آلت الى انقسام وانشقاق خطير في الخلاقة العباسية كان من نتائجها اقصاؤه لأخيه المأمون من ولاية العهد مما زاد من حدة الصراع بين الفريقين واضطراب الاوضاع في جميع انحاء الدولة ولم ينته هذا الاضطراب والنزاع حتى استيلاء المأمون على السلطة ودخوله بغداد بعد قتله الامين.
كان الامام يتجرع مرارة الاحداث في ذلك العصر فقد كانت الاوضاع السياسية والاجتماعية مزرية جداً، أذ عاش هؤلاء الخلفاء حياة القصور بين الجواري والمغنين والشعراء والندماء وكؤوس الخمر وقد امتلأت كتب التاريخ برذائلهم وموبقاتهم وتردي وضعهم الأخلاقي ولا يسعنا هنا الحديث بإسهاب عن البذخ والترف والمجون الذي عاشه الخلفاء العباسيون بينما كان المسلمون بمختلف طبقاتهم يرزحون تحت سياسة التجويع والإرهاب والتشريد وهذا ما أدى الى اندلاع العديد من الثورات التي تدعوا الى الإصلاح والتغيير كثورة محمد بن الحسن (النفس الزكية) وثورة الحسين بن علي (صاحب فخ) وثورة ابن طباطبا العلوي وثورة ابراهيم بن موسى بن جعفر وثورة محمد بن جعفر الصادق وثورة زيد بن موسى بن جعفر وغيرها من الثورات العلوية، التي زعزعت أركان الدولة العباسية، أما موقف الإمام الرضا (ع) من هذه الثورات والانتفاضات العلوية وتحركاتهم ضد الحاكمين فلم يكن سلبياً من حيث مبدأ الثورة المناهضة للظلم والطغيان والاستغلال بل كان كغيره من أئمة أهل البيت (ع) يباركون كل ثائر على الظلم والباطل حتى ولو لم ينجح عسكرياً اذا كانت ثورته ضمن الحدود المشروعة ولصالح الأمة الإسلامية، لأن الثورة النزيهة في الغالب تكشف للشعوب زيف الحكام وواقعهم الكريه وتترك وراءها فئة تحس بالظلم وفي الوقت الذي كانت ترتفع فيه الأصوات الثائرة من العلويين ضد السلطة العباسية الظالمة كان الأئمة (ع) يقودون الثورة الثقافية التي فرضتها مصلحة الإسلام يوم ذاك وكان النجاح حليفها في مختلف الميادين ولما رأى المأمون أن أنظار الناس تتجه نحو الإمام الرضا (ع) والقلوب تهفوا إليه بينما يجلس هو على كرسي متزعزع بالثورات وسخط الجماهير، قرر أن يتعامل مع الرأي العام بدبلوماسية أكثر بعد أن رأى فشل السيف والسجون والدماء فقرر أن يعقد ولاية العهد للأمام الرضا لتهدئة الخواطر وامتصاص نقمة الجماهير ولإضفاء مسحة من الشرعية على حكمه.
والأمر الثالث الذي أراده المأمون من ذلك أوضحه الإمام الرضا (ع) في قوله للمأمون: أني لا أعلم ما تريد فقال المأمون: وما أريد قال (ع): تريد بذلك أن يقول الناس إن علي بن موسى الرضا لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً في الخلافة.
لقد رفض الامام الرضا (ع) ولاية العهد رفضاً شديداً لأنه يعلم دخائل المأمون وما تنطوي سريرته من الخبث وبقي المأمون يعرض ولاية العهد على الرضا لمدة شهرين والامام الرضا يرفض حتى غضب المأمون وقال له: بالله اقسم لئن قبلت بولاية العهد وإلا ضربت عنقك فقال له الرضا: على شرط أني لا آمر ولا أنهي ولا أقضي ولا أغير شيئاً مما هو قائم على أصوله، فقبل المأمون بذلك لقد وضع الامام الرضا (ع) هذه الشروط حتى لا يتحمل شيئاً من تبعات الحكم العباسي وأمر المأمون ان يعلن هذا النبأ في أرجاء البلاد وأن يبدل الشعار العباسي (اللون الاسود ) باللون الأخضر وهو شعار العلويين وان تضرب النقود باسم الإمام الرضا (ع) وأمر ولده العباس ليكون أول المبايعين فقام وبايع الرضا (ع) بولاية العهد وقد آثار قبول الإمام الرضا (ع) بولاية العهد ردود أفعال مختلفة في الوسط الإسلامي وخاصة الشيعي منه فكيف تنقل الخلاقة التي بناها بنو العباس على السيف والدم والسجون والتشريد والتعذيب والتنكيل بهذه السهولة الى العلويين.
صراع وكفاح دموي وعقائدي وفكري عنيف أمتد بينهم لأكثر من ستة عقود فكان هناك رفض واحتجاج وتذمر من قبل العباسيين ومن والاهم، ولا يهمنا هنا ردود أفعال العباسيين وسخطهم ودسائسهم بقد ما يهمنا إيضاح الموقف من قبل الإمام الرضا (ع) لشيعته وبقية الناس وكشف الملابسات التي احاطت بقبوله ورد الشبهات المثارة نحوه حيث قال (قد علم الله كراهيتي لذلك فلما خيرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل أما علموا أن يوسف (ع) كان نبياً ورسولاً فلما دفعته الضرورة الى تولي خزائن العزيز قال: أجعلني على خزائن الأرض أني حفيظ عليم ودفعتني الضرورة الى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك على إني ما دخلت في هذا الأمر إلا دخول الخارج منه.
لقد كشف الإمام الرضا (ع) في الفقرة الأخيرة من حديثه انه خرج من العهد بمجرد وضعه للشروط التي اشترطها والعمل بها يعني انه لم يكن ضمن نظام السلطة الذي لا يتلاءم مع فكره وأخلاقه ومنهجه ولا بد من لفت النظر الى إن الإمام كان لا يتمكن أن يصرح بالعلة التامة لقبوله ولاية العهد حرصاً على عدم كشفها للطرق الآخر وتحمل تبعات ذلك ولكنه استعمل اسلون السوابق التاريخية للتدليل على موقفه.
وتدلنا رواية الريان بن الصلت على ذلك فقد روى ان هشام بن ابراهيم الراشدي كان مصاحباً للرضا (ع) فلما حمل الإمام (ع) الى خراسان اتصل هشام بذي الرياستين وأدناه إليه لينقل إليه والى المأمون أخبار الرضا وقد حظي عندهما حتى أصبح لا يخفي عليهما شيئاً من أخباره ثم ولاه المأمون حجابة الرضا فضيق عليه ومنع عنه حتى بعض مواليه وخاصته ولم يتكلم الإمام في داره بشيء إلا وكان يبلغه لهما، ثم إن الإمام (ع) لم يجد بداً من الاستجابة لطلب المأمون بعد ان هدده بالقتل كما جاء في رواية علل الشرائع ومقاتل الطالبين وجاء فيها انه المأمون قال للأمام الرضا (ع): أنك تتلقاني أبدا بما اكرهه وقد أمنت سطوتي، فبالله اقسم لئن قبلت ولاية العهد وألا أجبرتك على ذلك فأن فعلت وإلا ضربت عنقك، وهذا ما جعل الإمام الرضا (ع) يقبل بولاية العهد رغم انه يعلم دخائل المأمون وما انطوت عليه سريرته من الخبث والمكر وقد اعترف المأمون بأنه لم يكن جاداً في عهده للأمام الرضا (ع) كما في رواية البحار في قوله لبني العباس الذين اعترضوا على توليه الرضا لولاية العهد فقال: أما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى الرضا فما كان ذلك مني إلا أن أكون الحاقن لدمائكم والذائد عنكم باستدامة المودة بيننا وبينهم وان تزعموا أني أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة فأني في تدبيري والنظر لكم ولعقبكم وأبنائكم من بعدكم وانتم ساهون لاهون في غمرة تعمهون لا تعلمون ما يراد بكم.
ويتضح جلياً من مضمون كلامه انه لم يكن يريد أن ينقل الخلاقة الى العلويين كما تصور بنو العباس بل أراد أن يطوق ما كان منتظراً في ذلك الظرف من المضاعفات التي قد تسبب له ولخلافته الكثير من المتاعب وتعرضها لأسوأ الاحتمالات، كما إن هناك أمر أخر في سبب قبول الإمام الرضا لولاية العهد فبعض النظر عن القتل الذي ينتظره في حال رفض ذلك فأنه سيفتح باباً للقتل على أتباعه وأهل بيته فكان الإمام يوازن بين النتائج والمعطيات المترتبة على القبول والرفض واضعاً المصلحة الإسلامية نصب عينيه فرجح القبول على الرفض، فعقدت البيعة للأمام الرضا (ع) بولاية العهد في الخامس من شهر رمضان سنة 201 كما جاء في رواية الصدوق عن البيهقي.
وبانتهاء شهر رمضان أي بعد خمس وعشرين يوماً كلفه المأمون ان يصلي بالناس صلاة العيد على الرغم من ان الإمام الرضا (ع) كان قد اشترط على المأمون أن لا يشترك معه بشيء يتعلق بالحكم فأستعفاه من ذلك لكن المأمون ألح عليه وجعل يرسل الرسول بعد الرسول حتى أجابه (ع) الى ذلك على شرط أن يخرج الى الصلاة كما كان يخرج إليها رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) علي بن أبي طالب بعده، فقال له المأمون: أخرج كيف شئت فقعد الناس لأبي الحسن في الطرقات والسطوح واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه ووقف الجند والقادة على بابه حتى طلعت الشمس فأغتسل الإمام الرضا (ع) ولبس ثيابه وتعمم بعمامة بيضاء من قطن فألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفيه ومس شيئاً من الطيب وأخذ بيده عكاً زاد وقال لمواليه وخاصته: أفعلوا مثل ما فعلت فخرجوا بين يديه وهو حاف ثم رفع رأسه الى السماء وكبر فكبر معه مواليه فلما رآه الناس ارتفعت أصواتهم حتى ضجت المدينة بأصوات المكبرين وخرج الناس من منازلهم وازدحموا في الشوارع بشكل لم تعهد له المدينة مثيلاً من قبل، ولما رأى أجهزة الحكم هذا الاستقبال من قبل الجماهير للأمام الرضا (ع) والذي لم يكن حتى المأمون يتوقعه سارعت الى تحذير المأمون من خطورة هذا الموقف إن استمر الإمام (ع) في طريقه الى المسجد وأدى الصلاة فأرسل إليه المأمون: لقد كلفناك شططاً واتبعناك يا أبن رسول الله ولسنا نحب لك إلا الراحة فأرجع وليصل بالناس من كان يصلي بهم على رسمه، فلم يكن المأمون ذلك الشخص الزاهد بالخلافة حتى يرى التفاف الناس حول الإمام الرضا (ع) ويسكت على ذلك وقد قتل من اجلها أخاه الأمين وقتل من خدموه وثبتوا ملكه وكان لهم الفضل في تصفية خصومه أمثال طاهر بن الحسين والفضل بن سهل وغيرهم فكيف بالإمام الرضا (ع) وهو عدوه اللدود وأشد الناس خطراً عليه فدس إليه سماً قتله وكانت شهادته (ع) في اليوم الأخير من صفر سنة 203 بمدينة طوس والتي دفن فيها حيث تهفو إليه قلوب الملايين من كل أنحاء المعمورة.

الأربعاء، أكتوبر 28، 2009

90 شهيدا واكثر من 200 جريح في تفجير استهدف حي شيعي في بيشاور الباكستانية

 إباء : وكالات




في عمل ارهابي جبان ، انفجرت اليوم الأربعاء سيارة مفخخة في مدينة بيشاور الباكستانية ، وبالتحديد في حي يقطنه الشيعة واسفر الأنفجار عن وقوع ستة وثمانين ضحية وإصابة مئتين آخرين بجروح.

واستهدف الهجوم سوقا مزدحمة وسط المدينة ترتاده النساء والأطفال الذين شكلو معظم الضحايا في الأنفجار وأسفر عن تدمير عدد كبير من المباني والسيارات . ورجحت مصادر أمنية ارتفاع حصيلة الضحايا خصوصا وأن فرق الإنقاذ ما تزال تحاول العثور على أشخاص قد يكونوا تحت الأنقاض.
وهرعت سيارات الإسعاف إلى المنطقة ودعت الجهات الطبية في المدنية الناس إلى التبرع بالدم، فيما أخلت الشرطة المنطقة التي أصيبت بالشلل التام.
ورجحت المصادر ارتفاع حصيلة الضحايا خصوصا وأن فرق الإنقاذ ما تزال تحاول العثور على أشخاص قد يكونوا تحت الأنقاض.


لعنة الله على التكفيريين النواصب
لعنة الله عليهم هؤلاء القتلة المجرمين
وإلى الجنة ايتها الأرواح والنفوس المحترمة

مصر بتاعتهم لـــ د. نبيل فاروق1


مصر بتاعتهم







مصر بتاعتهم «1»

د.نبيل فاروق


تاريخ مصر تاريخ جميل، حافل بالاحتلال والاستعمار، من الهكسوس إلي البيزنطيين، إلي الرومان، والعثمانيين، والفرنسيين، والإنجليز، ثم حركة يوليو....

ومنذ حركة يوليو 1952 بالذات، شهد تاريخ مصر أكبر تحوّل جذري للغاية... ففي كل الحالات السابقة كان المحتلون يأتون من الخارج، وكأي محتل غاصب، كانوا يسعون لكسر إرادة الشعب، وتحطيم مقاومته، وإخضاعه لإرادتهم، وكان هذا يحفز الشعور الوطني في أعماق الجميع، فتحمي الدماء في عروقهم، ويلتهبون حماساً، ويشعرون بمصرهم ومصريتهم، ويقاومون المحتل، ويقاتلون ويضحون ويموتون، حتي تستعيد مصر حريتها وكرامتها... هذا لأنهم كانوا يشعرون، وبقوة، أن مصر مصرهم،كرامتها كرامتهم،وعزتها عزتهم وحريتها حريتهم،ومجدها مجدهم.... كانت مصر، علي الرغم من كل احتلال، حقاً مصرهم...

ثم جاءت حركة يوليو من الداخل، وسيطرت علي البلد، ووضعت كل شيء في قبضتها، وأطلقت عشرات الشعارات الرنانة، عن الحرية والمساواة، وتكاتف قوي الشعب العاملة، والديمقراطية، وبأن مصر، ولأول مرة، يحميها مصريون...وصدَّق الناس.

ومن هنا بدأ العصر المرير ... عصر الاحتلال الداخلي، الذي يأتي فيه الاحتلال من الداخل، ويقوم فيه مصريون باحتلال مصريين، والسعي للسيطرة علي مقاديرهم، وكسر إرادتهم، وسحق حريتهم، وتدمير إحساسهم بمصريتهم....

اعتبرت الحركة أن مصر غنيمة فازوا بها في معركة سهلة قصيرة، خططوا لأن تستمر شهراً، وتنتهي بإعادة محمد نجيب إلي موقعه، فإذا بهم، في يوم وليلة، يمتلكون البلد كله.. وكانت البداية.


====================

مصر بتاعتهم «2»

د.نبيل فاروق


رجال حركة يوليو من أكبرهم إلي أصغرهم، لم يجل بخاطرهم لحظة واحدة، أنهم سيسيطرون علي مقادير بلد كامل، بل لم يستعدوا أبداً لهذا، لكن ضعف رجال الحكم آنذاك، وخضوعهم لذلك الاحتلال الداخلي، ومحاولاتهم الدءوبة لكسب ود من قاموا بالحركة، حرَّكت نوازع القوة والسيطرة في نفوس القائمين بها، أضف إلي هذا لذة السلطة، التي لا تفوقها لذة، كما يؤكد خبراء علم النفس ؛ لأنها تمنح صاحبها بالتبعية كل الملذات والشهوات الأخري، وهذا ما أثبته رجال الحركة وأتباعهم، عندما حوّلوا البلد إلي معتقل كبير، وكمموا الأفواه، وقهروا الإرادة، وعذَّبوا النفوس، وانتهكوا الأعراض، وقطعوا الرءوس، التي طلبوا منها أن ترتفع، بحجة أن عهد الاستبداد قد مضي، وكان في الواقع قد بدأ..

ومع القهر والقمع والطغيان، الذي لم تر مصر مثيلاً له، حتي أيام غزوات التتار، عرف المصريون، ولأول مرة، أن الاحتلال الداخلي أعنف وأشرس وأضل سبيلاً من الاحتلال الخارجي، ففي الأخير، يشعر المصري بشرعية المقاومة، ومع الأوَّل، يتهمونك بالخيانة العظمي،ومحاولة قلب نظام الحكم، إذا ما قاومت.

وأدرك المصريون الحقيقة المرة... أن مصر لم تعد مصرهم... أصبحت مصر ملكاً لمن استولوا علي السلطة فيها بالقوة، والقهر، والقمع والبطش.

أصبحت مصر بتاعتهم... مصر التزوير الانتخابي، والخداع اللفظي والشعاراتي، وأمن القمع والقهر والإرهاب، وخطب الخداع واللف والدوران.... لم تعد مصر للمصريين... أصبحت بتاعتهم.... بتاعة النظام.... ولنا تكملة.


=====================

مصر بتاعتهم «3»

د.نبيل فاروق


تحوَّلت مصر، في العهد الناصري، إلي طغيان جبارة، يحكمها رجال اعتبروها «عزبة أبوهم»، واعتبروا شعبها عبيداً وجواري، خلقوا فقط لخدمتهم، والويل لمن يعترض، أو يتكلم، أو حتي يفكَّر، أو يحلم في سره بالمقاومة....

ولأن الشعب أدرك أن مصر لم تعد له، فقد راح يقاوم السلطة المحتلة بوسائله الضعيفة، التي لم يفهم أحد سببها حينذاك، فصار يتلف كل ما تملكه الحكومة، من الطرق، وحتي مقاعد الأتوبيسات؛ لأن أحداً لم يعلَّمه أن هذا كله مال عام، وأن المال العام ملك له، باعتباره من الشعب، لكنه لم يكن حتي ليصَّدق هذا، لأن حكام الاحتلال صاروا يملكون كل شيء في البلد، وهذا يعني أن المال العام مالهم، وعليه هو أن يحرمهم منه بأي ثمن....

ولأن مصر بتاعتهم، وليست بتاعته، فقد قرَّر أن يلقيها من قلبه إلي ما خلف ظهره، فلم يبال بالعمل، أو الإنتاج، أو التحسين، أو حتي مواعيد العمل الرسمية.....

وهكذا ضعف الإنتاج، وتضاءل الاقتصاد، وظهرت الفجوة، بين المواطن والدولة، وتغيرت المفاهيم، فصار رجال الشرطة هم أعداء الشعب، وليسوا في خدمته، وأصبح أي مسئول في أي منصب هو فرعون زمانه، وأصبح الفساد والتزييف والتزوير والرشوة والمحسوبية، هم أساس التعامل، واتجهنا من سيئ إلي أسوأ، حتي جاء اليوم المشئوم.... يوم السادس من يونيو 1967 ، و..... لنا بقية.


=====================================

مصر بتاعتهم «4»

د.نبيل فاروق

عندما بدأ العدوان الثلاثي علي مصر، عام 1956، كان رجال حركة يوليو يسيطرون علي كل شيء، علي الصحافة والإعلام والرأي، ويخدعون أو يتصورون أنهم يخدعون الشعب، بعباراتهم الفخمة، وكلماتهم البرَّاقة، وكذبهم المكشوف....

ولأن الكذب والبهتان، والتزوير بتاعهم، لا يمكن أن يؤدِّي، إلا إلي ضعف الدولة وعجزها، فقد جاءت إسرائيل، واكتسحت سيناء، وهزمت الجيش المصري شر هزيمة، ولولا الإنذار الأمريكي السوفيتي، لكان الاحتلال الإنجليزي قد عاد مرة أخري إلي أرضنا، بسبب فساد حكامنا....

وعلي الرغم من هذا، وكما احتفل صدام حسين بأم المعارك، احتفلنا نحن بعيد النصر، وكذبنا علي أنفسنا، وكذبوا هم علي شعبهم، وأوهموه بأنهم قد انتصروا ببراعتهم وذكائهم، بل تمت ترقية قائد الجيش المهزوم إلي رتبة المشير، احتفالاً بنصر زائف

ولأن مصر بتاعتهم، لم يفتح أحد فمه، أو يذكر الحقيقة، أو يتساءل عن هذه السابقة المدهشة في التاريخ، حيث ينهزم قائد عسكري، فتتم ترقيتة، ولأن القائد ورجاله، علي الرغم من هذه المظاهرة الكذَّابة، كانوا يعرفون الحقيقة، ويدركون أنهم قد انهزموا شر هزيمة، فقد توترت أعصابهم، وأفرغوا غلهم في شعبهم، الذي رأوا ضحكاته وسمعوا سخرياته، علي الرغم من كل ما فعلته أبواقهم الكاذبة، فازدادوا شراسة وعنفاً، وعاشت البلاد تحت شعار ( لا شيء يعلو فوق صوت المعركة) أسود أيامها وانقهرت الإرادة أكثر وأكثر، والأبواق التي هتفت بنصر زائف، ازدادت نفاقاً ورياءً، وأصبحت مصر بتاعتهم قوي... وسلم لي علي النكسة... و...لسه كتير.


============================

مصر بتاعتهم «5»

د.نبيل فاروق


فجأة وبعد أن أطلقوا علي الهزيمة اسم الدلع (نكسة)، وبعد أن رقص عضو مجلس أمة محترم؛ لأن جمال عبد الناصر قرًَّر العودة إلي الحكم، وبعد قهر وطغيان واستبداد فوجئت مصر كلها ذات ليلة، بنائب الرئيس آنذاك - أنور السادات- يخبر الأمة وينعي إليها زعيمها، جمال.

مات جمال، وجاء أنور السادات من بعده، وهو يدرك كم الفساد الرهيب، الذي تعانيه الدولة، ولكن قبضته كانت أقوي بطبيعة الحال، بعد تصفية عبد الحكيم عامر، وانكسار الجيش عقب الهزيمة، وحالة الضياع التي يعانيها الشعب، ويحلم فيها بيد تنتشله من ذلك المستنقع.

جاء السادات، وحوله جبابرة مصر، وقادة كل مراكزها الحيوية، وكلهم يعتبرونه مجرًّد خيال مآتة، يجلس علي مقعد المواجهة فحسب، في حين يحكمون هم ويتحكمون كما اعتادوا.

وفي ليلة واحدة، فاجأ السادات الكل بأنه ثعلب، أكثر مما كانوا يتصوَّرون، وجمع كل هؤلاء في سلة واحدة، وخلَّص البلاد منهم، وأعلن أنه يبدأ عصر جديد....

وهللَّ الشعب الطيب الغلبان، وتصوَّر أن مصر قد عادت إليه، وشاهد السادات يهدم المعتقلات، ويحرق أشرطة التسجيل، ويحارب الفاسدين، ويطلق الحريات، ويخطط للبناء.

وانتشي الشعب وصدَّق لطيبة قلبه أن الحداية بتحدَّف كتاكيت، وأن مصر ستعود مرة أخري للمصريين، خاصة أن سنوات حكم السادات الأولي أوحت بذلك كثيراً، و....خليكوا معانا.


============================

مصر بتاعتهم «6»

د.نبيل فاروق


فترة حكم السادات الأولي، أثبتت أين تكمن قوة المصريين بالضبط، فما إن أشعرهم السادات بالأمان، وبأن مصر هي مصرهم، وليست مصر المحتلين الداخليين، حتي عملوا كالأسود، وأعادوا بناء قوتهم، وخاضوا حرب أكتوبر 1973 بقوة ارعبت عدوهم، وحقَّقت لهم نصراً عظيماً، وعبوراً مدهشاً، وخفقت قلوب المصريين مع علمهم، الذي رأوه يرتفع ولأوَّل مرة، خفاقاً بنصر حقيقي، يحاول البعض تشويهه الآن، كجزء من حالة الغضب الحالية، وهم لا يدركون أنهم بتشويهه، يحكمون علي أنفسهم بعار ما بعده عار....

وارتفعت أعلام النصر خفَّاقة في مصر، وعاش المصريون أعظم لحظات حياتهم، وهم يهللون للنصر، ويحتفلون بتولية وترقية أول قائد منتصر حقيقي لرتبة المشير، وشعر كل رجل وامرأة وطفل في مصر، بأن مصر وطنه وبلده، وبتاعته ....

ولكن، ولأن كل هذا يتم بالإرادة السامية وحدها، ولأنه لا يوجد دستور حريات حقيقي، أو نظام قانوني قوي، يحقَّق الأمن والحرية والاستقرار للبلاد والعباد، ولأن النظام منذ حركة يوليو أصبح فرعونياً، إرادة الحاكم فوق إرادة كل قانون، فقد أفلتت أعصاب من منح في النهاية، ولم يحتمل تبعات ما منحه، فقرر أن ينتقل من المنح إلي المنع .....

لذا،الأمر لم يكن سهلاً إلي هذا الحد؛ فقد يدوم نظام مستبد لسنوات وسنوات، لكن ما إن تلوح لمحة للخلاص منه، وينتعش الأمل بهذا في النفوس، حتي يصير من المستحيل وشديد الخطر، أن يفكر حتي من منحوا تلك اللمحة، في التراجع عنها.... لذا، فما إن ثار السادات، وفقد أعصابه، وفتح أكبر حملة اعتقالات في التاريخ، حتي لاحت النهاية .... وقد كان.


============================

مصر بتاعتهم «7»

د.نبيل فاروق


في يوم احتفاله بانتصاره، ووسط جيشه وقواته وحراسه، وكل نظم أمنه... تم اغتيال أنور السادات.

سيل الاتهامات انهال من كل صوب، والكل راح يتهم الكل، حتي من يستحيل اتهامهم، ولكن وأياً كانت الحقيقة، فقد انتهي عصر السادات، بكل محاسنه ومساوئه، وكل انتصاراته وتراجعاته، وكل حريته وفرعونيته، وحربه وسلامه، وبدأ عصر جديد في مصر.

عصر كانت بدايته- التي لم تصل إلي نهاية أبداً- هي قانون طوارئ ممتد مستمر، يتجدَّد تلقائياً، ويبلغ المصريين بوضوح وصراحة، ومع استبداد الأمر وهيمنته وسيطرته، أن مصر عادت إلي المحتلين، ولم تعد مصر بتاعته.. بل صارت، وعلي نحو واضح صريح، وبجح أحياناً.. مصر بتاعتهم.

غرق الشعب كله في عصر، جعلهم يترحمون فيه، كل صباح ومساء، وعبر صلواتهم الخمسة، علي عصري عبد الناصر والسادات، وربما حتي علي عصر الاحتلال البريطاني.

عند بداية هذا العصر، استبشر الشعب خيراً بقائده الجديد، بخاصة أنه قد بدأ عهده بقرار الإفراج عن جميع المعتقلين، الذين كان اعتقالهم أحد أهم أسباب اغتيال سلفه، الذي انتقاه من بين جميع من حوله، ليسلمه الأمانة، ويضع بين يديه، وفي عقله وضميره، مستقبل شعب عظيم.....

البداية كانت رائعة، ولكن أيضاً بدون الدعامات الرئيسية لأي حكم صحيح.... بدون حريات، وضمانات، وضوابط، وقانون..... والتقيل جاي....


============================

مصر بتاعتهم «8»

د.نبيل فاروق


بدأ عصر مبارك بداية عنيفة للغاية، وربما أعنف بكثير مما بدأت به حركة يوليو عصرها، فقد كانت البداية هي اغتيال أنور السادات، وانطلاق الجماعات الإسلامية، في محاولة لاستغلال حالة الاضطراب التي سادت مصر عقب الاغتيال؛ للسيطرة علي الشارع المصري، وإسقاط الحكومة، مما استتبع عدة إجراءات عنيفة؛ للسيطرة علي الموقف، ونقل السلطة الشرعية، دون إراقة أنهار من الدم، أو دون الدخول في حرب أهلية مدمَّرة.....

ومن هنا كان قانون الطوارئ اللعين، الذي كتم أنفاسنا، ووصم عصراً بكامله بوصمة قد لا يدركها أصحابها الآن؛ لأنهم في غيِّهم يعمهون، لكنه سيكون وصمة عار لعصر بكامله، يتغني ليلاً نهارًا بسيادة القانون، وهو يحيا لثلاثة عقود كاملة، في ظل قانون طوارئ....

وعلي الرغم من تلك البداية العنيفة، فقد كان عصر مبارك في بداياته يبشر بالخير ، إذ بدا الرئيس رجلاً بسيطاً، هادئاً، يتروي جيداً، قبل اتخاذ قراراته، وكان قريباً من الناس، حتي إنه ظهر ذات مرة مع المذيعة نجوي إبراهيم، في برنامج «فكَّر ثواني واكسب دقايق»، ولبَّي طلب مواطن مصري بسيط، وذهب لزيارته، ونام الناس وفي بطونهم شادر بطيخ صيفي أحمر عالسكين، متصوِّرين أنهم سيعيشون عصرهم الذهبي في ظل رئيس لم يتعال عن زيارة مواطن بسيط في بيته، تلبية لرغبته، علي الرغم من أن قبول الرئيس لدعوة مواطن له لحضور حفل زفافه، قد تحوّلت فيما بعد، إلي فيلم كوميدي.....

ثم بدأت الصورة تتخذ شكلاً جديداً، مع بداية عصر عنف الجماعات الإسلامية، ولجوئها إلي الرصاص، لفرض فكرها ووصايتها علي المجتمع، وعصر الظلام، المتمثِّل في سيطرة الفكر الوهابي السلفي علي الشارع المصري..... وللحديث بقية.


============================

مصر بتاعتهم «9»

د.نبيل فاروق


المتابع غير المتحيِّز لعصر مبارك، يلاحظ الأخطاء العديدة، التي شابت التجربة من بدايتها، بدءاً من تولي الرئيس رياسة أحد الأحزاب في الدولة، في حين المفترض أنه رئيس لكل الأحزاب، وليس رئيساً لحزب واحد، والقول بأن هذا يحدث في بعض النظم الديمقراطية، فهو قولة حق يراد بها باطل ؛ ببساطة لأن النظام لدينا ليس نظاماً ديمقراطياً، بل هو نظام أبوي، لو ترك فيه الرئيس حزباً، وانتقل إلي آخر، ستنهال الاستقالات علي الحزب القديم، وتنهال بنفس عددها طلبات التحاق بالحزب الجديد، وهذا ماحدث بالفعل، في عصر السادات، وهو نظام سيادي مائة في المائة، بدليل أن مجلس الشعب، المنتخب بالوسيلة التي نعرفها كلنا، والذي لم يتغير رئيسه منذ الأزل، يجتمع، ويتظاهر بدراسة القوانين، التي تطلبها الحكومة ؛ لضمان السيطرة علي الشعب، ويوافق عليها في جلسة أو جلستين، في حين يقضي سنوات في تأجيل عرض قوانين أخري، تؤثر في مسار أمة كاملة ؛ لأن الحكومة لم تتقدَّم بها، أو لأن الذي تقدَّم بها نائب معارض، أو لأنها لن تؤدي إلي السيطرة علي الناس، وسلب مافي جيوبهم. ....

المهم أن التجربة بدأت بخطأ مهم وجوهري، وخطأ بالغ الخطورة، ألا وهو قانون الطوارئ ؛ فالحكومة نفسها تعلم أن رجال أمنها ليسوا ملائكة، بل هم مصريون يعانون عقدة السطوة، وسادية السيطرة، وإذا ما وضعت في أيديهم قانون طوارئ، دون مواد تحتم الحفاظ علي كرامة وآدمية وحرية المواطن، وتحاسب بشدة علي المساس بها، فهم سيتكبرون ويتجبرون، وسيصبحون شوكة مؤلمة في ظهر الشعب، الذي لن يبغضهم ويعتبرهم وحدهم أعداء، بل ستمتد كراهيته، وعلي نحو تلقائي وطبيعي ،إلي النظام نفسه، بحيث سيشعر مع مرور الوقت، أن مصر بتاعتهم، وليست مصره هو، وبمعني غير معلن، أنهم كنظام قد احتلوا البلد. ... ومازال للحديث بقية.


============================

مصر بتاعتهم «10»

د.نبيل فاروق


مع بدايات عصر مبارك، وعلي الرغم من قانون الطوارئ، ومن حالة التجبَّر التي رافقها، أو ربما بسببه، شهدت مصر أعنف مرحلة عدوانية عقائدية، ربما في تاريخها كله.

اغتالوا رفعت المحجوب، وكان رئيساً لمجلس الشعب، وحاولوا اغتيال صفوت الشريف، وكان وزيراً للإعلام، وكمنوا للأفواج السياحية، في محاولة لقتل السياح، عقاباً لهم علي دخول مصر، التي يفترض أن يدخلوها بسلام آمنين، واشتعلت الأمور، حتي إن الأمن رفع حالة الطوارئ أكثر، وهو الإجراء الوحيد الذي يجيده ويلجأ إليه أي نظام مستبد، فانتقلت الجماعات الإسلامية إلي موجة اغتيال رجال الشرطة، ومباحث أمن الدولة، فرفعت الدولة حالة التحفَّز أكثر وأكثر، وصار الصراع بينها وبين الجماعات الإسلامية يتخذ صورة حرب شعواء، وقرأنا في الشوارع والطرقات شعار ( قتيل بقتيل )، واتخذ الشعب العادي جنباً، وبدأ يعتبر الحكومة، متمثلة في رجال أمنها، حكومة احتلال طاغية، فابتعد عن الساحة كلية، واكتفي بالسعي خلف لقمة عيشه، وبسب ولعن النظام ليل نهار، وبداخله شعور جارف بأن كل هذا عديم الجدوي؛ لأن مصر ليست له.....

مصر بتاعتهم..... بتاعة النظام..... وأعوانه......ومع هذه الموجة الأمنية، التي تجاهلت تماماً حقوق الإنسان، وحتي الحيوان، ولم تعد تبالي إلا بفرض إرادتها وسيطرتها علي كل شيء وأي شيء، لم يعد المواطن العادي يشعر بالأمن أو الأمان، وانشغلت كل أجهزة الدولة بمكافحة الإرهاب الداخلي كما سموه، وتجاهلت وظائفها الأصلية كحامية للشعب، وتحوّلت من حاميها إلي حراميها، وطمحت في المزيد والمزيد من السطوة.

وكان من الطبيعي والحال هكذا، أن يلتف الامن بكل أجهزته حول الرئيس، وأن يحيطه بسياج حديدي، ليس لحمايته بالدرجة الأولي، وإنما لعزله عن شعبه، وإخافته منه، ومنع وصول شكواه إليه .... والحديث مستمر.


============================

مصر بتاعتهم «11»

د.نبيل فاروق


»مع السياج الأمني القوي، الذي أحاط بالرئيس، كان من الطبيعي أن ينتابه شعور بأنه يحكم شعباً من الأعداء، كلهم يتربصون به، ويسعون خلفه، ويضمرون له الشر، وساعد الأمن علي تضخيم هذا الشعور، وضاعف من إجراءات حماية الرئيس، إلي حد المبالغة المقززَّة، إن جاز القول، وصارت تحركاته من أعقد الأمور، التي يبغضها المواطن العادي كل البغض، لما تسببه له من ارتباك في حياته، ومتطلباته، واحتياجاته، وتجور علي بلد كامل، من أجل الهوس الزائد عن اللزوم جداً؛ لحماية، أو التظاهر بحماية رجل واحد، كما يقول بروس شناير، الخبير الأمني العالمي، والذي يصف ما يحدث بأنه استعراض أمني، يستهدف به الأمن إرهاب المواطن بالدرجة الأولي، وإثبات القوة أمام القيادة السياسية، المتمثلة في الرئيس، بالدرجة الأولي ممتازة تكييف وفيديو كمان.

ثم تآزرت أجهزة الدولة كلها، لتنافق الرئيس، وتفخَّم من ذاته، وتقنعه بأنه أحكم وأعدل وأرجح وأعظم وأعقل من حكم مصر، وأنه ما ينطق إلا درراً، وما يأمر إلا عدلاً، وما يفكَّر إلا صواباً، وربما لأن هذا سيجلب عليهم سخطاً شديداً، فقد أحجموا عن وصفه بالنبوة والعياذ بالله.

وفي نفس الوقت، الذي كان الكل منشغلاً فيه بالأمن السياسي، وبحماية الرئيس وحده، صارت الدولة بلا حماية، وبدأ الفساد ينمو فيها، كرد فعل طبيعي.

ولهذا قصة


============================

مصر بتاعتهم «12»

د.نبيل فاروق


يقول العامة، في أحاديثهم اليومية، إن كبار رجال الدولة يسعون لنشر الفساد في البلاد، حتي يصبح الشعب كله فاسداً، فلا يقف أمامهم أحد عندما يفسدون ؛ لأن الفاسد لن يحاسب فاسدين أو مرتشين....

الناس يرددون هذا الكلام في الشارع ؛ لأنهم لا يستطيعون تصديق موجة الفساد الرهيبة، التي سادت البلاد في هذا العصر، كما لم تسد في أي عصر آخر، إلا إذا كان وراءها كبار البلد، الذين اعتبر الناس أن مصر بتاعتهم، وأنهم يمتلكونها، بكل ما عليها ومن عليها.

والواقع أن الفساد الرهيب، الذي يمتد من القمة إلي القاع، سار سمة سيتندر بها التاريخ عن هذا العصر، الذي يتحدثون فيه طوال الوقت عن الشفافية وطهارة اليد، التي تستحق قطعها، وحرقها، وكنس تراب الشارع بها، بعد أن أطلقت موجة فساد، لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وصلت مع مرور الوقت، والانعدام التام للشفافية والحقيقة، إلي موجة وقحة، بجحة، لا تراعي حتي المظاهر، ولا تحاول مداراته خلف واجهة أنيقة، لأن فئة الكبار نفسها صارت واثقة من أن مصر بتاعتهم، مش بتاعة الشعب، الذي هو في نظرهم مجرَّد مظهر شيك للحكم، وإرادة يستطيعون تزييفها، بالقهر والقمع وقانون الطوارئ، وخدمه أيضاً إذا استلزم الأمر.

ولقد بدأ الفساد حذراً، مستتراً وراء شعارات زائفة، كما يحدث في كل النظم الفاشية أو القمعية، ثم أدرك بعد وهلة، أن أحداً لن يحاسبه، مادام الكل منشغلاً بدولة الرجل الواحد، التي تجند كل الجهود فيها لحماية رجل واحد، فانطلق.. وللقصة بقية.


============================

مصر بتاعتهم «13»

د.نبيل فاروق


غياب الحرية والديمقراطية الحقيقية، في هذا العصر، وتحويل البلد إلي دولة مماليك، كل مملوك منهم يحظي بحماية واحد من الأكابر، أدي إلي حتمية وجود سياسة خاصة، تستلزم تدليع هؤلاء المماليك ؛ لضمان ولائهم للنظام، وهذا التدليع يشمل إغداق العطايا والثنايا، ومنح التصاريح والموافقات، وغض البصر أيضاً عن بعض التجاوزات البسيطة، مثل غرق العبَّارات، وفشل المونديالات، وسرقة المال العام، وفساد الذمم، وغيرها.

وهكذا، وكرد فعل طبيعي، تحوَّلت الدولة إلي إقطاعيات كبيرة، يحكم كل منها مملوك من مماليك النظام، يدرك جيداً أن النظام، والنظام وحده هو الذي يضعه في مكانه، إذا كان من المؤيدين، والموالين له ولاء كاملاً، وعضواً في حزبه، وهو وحده الذي يغدق عليه بلا حساب، من أموال الشعب، وهو وحده أيضاً الذي سيرفعه من منصبه، إذا ما غضب عليه يوماً.

فلماذا إذن يبالي بالشعب، في رواحه أو غدوه؟!

إنه مملوك للنظام، وليس للشعب، ومهمته، لكي يحافظ علي إقطاعيته، أن يضع رأسه في الطين كل يوم، وهو يلعق نعل حذاء النظام، وينافقه في كل صباح ومساء، ثم، وبسبب هذا، يضع جزمته علي رقبة الشعب، ويغرس رأسه في طين المذلة والفقر والحاجة، دون أن يطرف له جفن.. لأنه مملوك.

ولقد بدأت لعبة المماليك هذه معقولة، ومع أبدية النظام صارت قوية عنيفة، وصار من الواضح أنك كشعب، لم يعد لك مكان في مصر، لأن مصر بتاعتهم.. مش بتاعتك.. ولنا تكملة.


============================

مصر بتاعتهم «14»

د.نبيل فاروق


منذ قيام حركة يوليو، شهدت مصر ما يسمي بالفئات غير الخاضعة للمساءلة، وعلي الرغم من أن كل النظم التي تعاقبت علي حكم مصر، منذ ذلك الحين، وحتي لحظة كتابة هذه السطور، تتغني بالحرية والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، فإن مصر لم تشهد، منذ 23 يوليو 1952م، لا حرية، ولا ديمقراطية، ولا حتي رعاية اجتماعية صحيحة عاقلة.

في البداية كان رجال الحركة، وأتباعهم، ومريدوهم، وأحبابهم، وأصحابهم، وحتي عشيقاتهم، من الفئات المصنفة بأنها فوق المساءلة، ثم جاء عصر سيادة القانون كما سموه، وتقلَّصت قليلاً في بدايته، الفئات غير الخاضعة للمساءلة، ثم عادت الأمور إلي مجراها، وصارت هناك فئات محدودة فوق المساءلة.

حتي جاء عصر مبارك، عصر استقرار الفاسدين في مقاعدهم، واستمرار المتجاوزين في مقاعدهم، وتشبث النظام بالسلطة، علي حساب أي شيء آخر.

جاء عصر المماليك، الذين أصبحوا جميعهم فوق المساءلة، ولم يعد من الممكن، ليس محاسبة المسئول الفاسد، بل مجرَّد توجيه أصابع الاتهام إليه ..... لأنه مملوك، أو يتبع أحد المماليك، والمماليك كلهم، عن دبرة أبيهم فوق المساءلة.

ولأن فئات كثيرة قد اندرجت تحت بند عدم المساءلة، فكان من الطبيعي أن تشهد مصر أكبر عصور الفساد في تاريخها كله، حيث لم يعد الفساد مقصوراً علي الصغار، وإنما صار لعبة الكبار، الذين يحتلون أرفع وأدق المناصب، ويملكون اتخاذ القرارات، المؤثرة في اقتصاد وحياة شعب ووطن وأمة بأكملها.

ونماذج الفساد لا حصر لها، والدولة والنظام يعرفونها جيداً، لكن في عصر المماليك، صار الكبار أشبه بتنظيم إجرامي، منهم بحكامه، و....ومازال لنا بقية.


============================

مصر بتاعتهم «15»

د.نبيل فاروق


تجار المخدرات الكبار يلعبون لعبة مدهشة، يسمونها لعبة توازن الصراع، حيث يقومون بعمليات تهريب كبيرة، يربحون منها المليارات، ثم يلقون بعض صغار رجالهم في عملية أو عمليتين، بعدد قليل من الملايين، ويرشدون عنهم رجال شرطة مكافحة المخدرات، لكي يتم إلقاء القبض عليهم، ويشعر رجال المكافحة بالارتياح، فتستمر اللعبة.

وهذا بالضبط ما يلعبه نظام المماليك الحالي ... الفساد يستشري في كل المجالات، وأراضي الدولة ومصانعها وشركاتها تباع بربع ثمنها، ومن يبلِّغ عن هذا يعاقب بشدة، وتضيع علي مصر مليارات، بسبب فئات غير خاضعة للمساءلة، ثم يلقي لنا النظام، كل حين وآخر برجال من قعر اللعبة، أو ممن غضب عليهم، في قضية فساد تتناولها الصحف، وتهلَّل لها، ويثبتون بها للرئيس أنهم في قمة الشرف والنزاهة، وتدور لعبة توازن الصراع.

ويستمر الفساد، ويستمر نهب الوطن، ويثور كل من يوجَّه إليه أي اتهام، باعتبار أن مصر هذه ليست مصرنا، ومن حقنا محاسبة من ينهبها، بل هي مصر بتاعتهم .... عزبة أبوهم ... يفعلون بها ما يشاءون، ويبيعون ثرواتها كما يريدون، ويستولون أيضاً علي مالها وقتما يحبون.

كل هذا لأن من فوق المساءلة، صاروا أكثر مما ينبغي ... جهات سيادية، ورجال أمن، وقضاء، وسلطة، وحزب، وحتي نساء فراش وأناس سيَّئوا السمعة... ليس المهم من هم ... المهم أن ينطوي أحدهم تحت راية أحد المماليك ... والحديث مستمر .


============================

مصر بتاعتهم «16»

د.نبيل فاروق


في هذا العصر، تضاعفت أعداد المنافقين والمرائين، أكثر من ألف مرة، بعد أن أصبح النفاق هو الأسلوب الأمثل للصعود إلي القمة، والانضمام إلي الفئات المحصَّنة، ودخول قائمة مَنْ فوق المساءلة، والانطلاق كالفرس الرهوان، في عالم الفساد .

يكفي أن تكون من مليونيرات هذا الزمن، وأن تنضم إلي الحزب الوطني، لينفتح لك باب الفساد علي مصراعيه، ولتجد كل قيادات البلد قد تحوَّلت إلي هيئة دفاع قوية عنك، وعباقرة القانون منهم إلي جوارك، يساندونك، أو حتي يصدرون قوانين خاصة لك ؛حتي تخرج من محنتك ...

ولعبة القانون هذه هي لعبة شياطين نظام هذا العصر، فمادام النظام يحميهم، ورجال مجلس الشعب لا يربحون إلا بتزويرهم، وماداموا حزب الأغلبية بالعافية كما يدَّعون، فلماذا يحارون؟! يمكنهم أن يستعينوا بشياطينهم، ويبتكروا قوانين جديدة، يوافق عليها المجلس العظيم بالنظام الديمقراطي المعروف بموافقون.. موافقة، ثم تصدر القوانين، التي تذبح الديمقراطية، وباسم الديمقراطية ...

لعبة، يطلقون عليها اسم ديكتاتورية الأغلبية ... وياليتها حتي أغلبية حقيقية .. إننا نتحداهم كشعب، أن يجروا انتخابات قادمة، تحت إشراف دولي، وهم طبعاً سيرفضون، لأنهم سيخسرون خسارة فادحة، وسيحاكمون بعدها علي ما اقترفوه في حق هذا الوطن، لو تمت الانتخابات دون قمع وقهر وتزوير وتزييف، ولكنهم سيغلفون رفضهم هذا بإطار زائف من الحماس والوطنية المرسومة، وسيربطون هذا بسيادة مصر، وقرارها، ولن يخيل هذا علي مواطن واحد، لأننا نعرفهم جيداً ... ومازال للحديث بقية.


============================

مصر بتاعتهم «17»

د.نبيل فاروق


لأن النظام يدرك أنه نظام ديكتاتوري بحت، وأنه لا وجود قط للديمقراطية الحقيقية، وأنه يعتمد اعتماداً تاماً وكاملاً علي الأمن وحده، فهو حتماً سيقاوم أي انتخابات، تحوي ضمانات حقيقية لعدم التزوير أو التزييف، أو تدخَّل رجال الشرطة، لمنع أي مواطن من الإدلاء بصوته، اللهم إلا إذا كان من حاملي كارنيه الحزب الوطني....

النظام سيقاوم أي انتخابات نظيفة، سواء كانت انتخابات مجالس محلية، أو مجلسي الشعب والشوري، أو انتخابات رئاسة الجمهورية بالطبع، والتي يستحيل أن يسمحوا فيها بأي رقابة خارجية؛ حتي لا يطير الدخان....

وفي كثير من الأحيان نتساءل: هل يعلم مبارك حقاً بما يدور من حوله في زمن حكمه، أم إن تلك الأسوار الفولاذية العالية، التي أحاطوه بها، قد حجبته عن شعبه، فلم يعد يدري بما يحدث خارج الأسوار، ولم يعد يدرك إلا ما يريدونه أو يدركه.....

قديماً قالوا: لو كنت تدري فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم..... والسؤال: هل يدري أو لا يدري؟!...

كل رئيس في كل دولة، لديه وسائل قوية؛ لمعرفة ما يدور في الشارع، لو أنه أراد هذا.... لديه أجهزة المخابرات التابعة له وحده، والتي يمكنها الاتصال به مباشرة، والحصول علي تكاليف شخصية منه، يمكن ألا يدرك بها أي مخلوق آخر....

لكن هذا يعيدنا إلي عبارة مهمة، في الفقرة السابقة..( لو أراد )....

السؤال التالي إذن هو: هل يريد؟!..

لقد كان النظام كله يسير علي نحو جيد إلي حد ما، حتي قضي الرئيس السوري نحبه، ووضع ابنه مكانه.... وتغيرَّت الصورة.


============================

مصر بتاعتهم «18»

د.نبيل فاروق


المشير عبدالحكيم عامر من رجال حركة يوليو الأوائل، كان صعيدياً شهماً، ولأنه صعيدي شهم، فقد كان يري ضرورة حماية رجاله، والذود عنهم ضد أي أتهام، حتي لو كانوا من أفسد الفاسدين، وكان السؤال المطروح في ذلك الحين: هل من حق من يقود أمة، أن يتعامل كصعيدي شهم، أم كقائد؟!.. هل يدافع عن رجاله، أم يذود عن وطنه؟!.. المشير عبد الحكيم عامر اختار الحالة الأولي، فدافع عن رجاله، وهم يفسدون وطنه، فكانت نهايته ونهاية الوطن علي يديه سوداء، والآن، عندما يؤرخون لنكسة يونيو، فهم يعتبرونه خائناً، وليس شهماً، لأنه أضاع خيرة شباب مصر، فقط ليحمي الفاسدين من رجاله..

وفي هذا العصر يحمي، النظام رجاله، من القمة إلي القاع، متصوَّراً أن هذا سيمنحه القوة، لأن هؤلاء الفاسدين سيدينون له بالولاء، وسيكونون عونه وسنده، إذا ما جد الجد، أو أنهم سيمنعون انقلاب الأمور عليه، علي أقل تقدير، ولكن مشكلة الفاسدين، في كل العصور، أنهم مثل فئران السفينة.. أوَّل من يفر منها ،إذا ما تعرَّضت للغرق.. والفئران أبداً لم تنقذ قبطانًا يغرق..

ولقد تغيرَّت سياسة النظام تماماً، وربما كل الأنظمة المحيطة، منذ سنّ حافظ الأسد تلك السنة السيئة، ووضع ابنه ووريثه علي مقعد السلطة، قبل أن يذهب إلي ربه، ليحاسبه علي ما اقترفت يداه..

فمنذ ذلك الحين، انزرعت الفكرة في رءوس الجميع، كل واحد منهم صار يحلم بأن يكون ملكاً وليس رئيساً.. ملكاً يجلس علي مقعد السلطة، ثم يموت ليرثه الأمير، ومن بعده نسله، حتي تقوم ثورة، تطيح برأس آخرهم، وتنتهي مرحلة سوداء.. والنظام، مهما فعل، لن يمكنه أن ينكر، أو حتي يستنكر أنه دخل لعبة التوريث.. ابقوا معنا.


============================

مصر بتاعتهم «19»

د.نبيل فاروق


فجأة، وجدنا كل أجهزة الدولة تعمل في نشاط، من أجل هدف واحد، يحاول الكل إنكاره، وإثبات أنه ليس حقيقياً، وتؤكد كل لمحة من الإعلام أو السياسة، أو لجنة السياسات، أنه حقيقة لا شك فيها.. حقيقة التمهيد لتوريث الحكم إلي الوريث غير الشرعي لمصر.. الوريث الذي لم يتعامل مع شعب مصر، إلا من خلال المليونيرات ورجال السياسة والمنافقين، والطامعين.. هذا الوريث تعمل كل أجهزة الدولة، في أكبر منظومة خيانة عرفها التاريخ؛ لكي تضعه في مقعد السلطة، خلفاً لأبيه..

ومهما أنكروا، واستنكروا، وكَّذبوا، وأكَّدوا، فإن كل مواطن بسيط في مصر، يدرك جيداً أن الجميع يسعي لتوريث السلطة، علي نحو يجعل مصر ملكية، ترفع علم الجمهورية... ملكية نتوارث فيها السلطة، من معاوية بن أبي سفيان إلي يزيد، وربما إلي عبد الحكم أيضاً..

وما أشبه اليوم بالأمس.. وما أكثر اختلاف اليوم عن الأمس أيضاً.. فالنظام؛ لأنه ستيناتي ديناصوري، مازال يؤمن بما لم يعد يناسب العصر، وإنما بما يناسب شيخوخته، فهو يتصوَّر أنه بلطجي المنطقة، وأنه سيفرض ما يريد علي كل من يريد، وسيسيطر علي وطن كامل، فقط لأنه يمتلك أمن الدولة، والمحاكم العسكرية، وشياطين القوانين سيئة السمعة... ولكن كان غيره أشطر...

الفساد نفسه، الذي يغذيه النظام ويقويه، سيكون هو السبب في انهياره، وضياع خطته، وربما الإطاحة برأسه أيضاً... هكذا علمنا التاريخ، الذي لا يقرأونه؛ لأنه لا حاجة لهم بقراءته، ماداموا في عزبة مصر.. بتاعتهم.. ولنا بقية.


============================

مصر بتاعتهم «20»

د.نبيل فاروق


الفساد في هذا العصر الديناصوري الستيناتي المملوكي، لم يتخذ صورة الاستيلاء علي المال وحده، وإنما تشكَّل في كل الصور، التي نعرفها، والتي يمكننا حتي تخيُّلها، ومن أبسطها الفساد الإداري، الذي اتبع السياسة نفسها ... سياسة المماليك ... سياسة أن كل مسئول، يضعونه علي مقعد السلطة، أية سلطة، يعتبر أنه، مادام عضواً في الحزب الوطني، فالمكان الذي يرأسه هو عزبة أبوه وإللي جابوه، يفعل فيه وبه ما يشاء، بغض النظر عن الدستور والقوانين والشعب والوطن؛ فماذا يمثل له الشعب والوطن .... النظام سيحميه، والنظام عيَّنه في مكانه، وهو وحده يملك محاسبته، أو عزله، ولا شأن للشعب أو الوطن بهذا، فلماذا يبالي بهما، أو يقلق بشأنهما.

المهم أن يرضي النظام .... نظام مصر، وهي ليست مصرنا، التي كنا نتغني بها قديماً؛ لأننا كنا نراها مصرنا، ولكننا نعلم الآن أنها مصرهم ... نهبوها، واحتلوها، وسرقوا خيراتها، وسيطروا علي إرادتها، وباعوا أرضها ومصانعها وشركاتها وغازها لكل من هبَّ ودبَّ، ثم لم يكتفوا بذلك، وإنما استولوا علي ما باعوه أيضاً، أو شاركوا في الاستيلاء عليه.

وزير مالية النظام سألوه عن عدة مليارات، فثار وهاج وغضب، واعتبر الأمر إهانة شخصية، علي الرغم من أنه أمين صندوق مصر، وإذا ما اتهمناه بفقد مائة جنيه، فالمفترض أن يصاب بالقلق، ويحاول إثبات براءته وتبرئة ذمته، ولكن ولأنه وزير في عهد مبارك، فقد اعتبر أنه من التجاوز سؤاله عن مال مصر، من شعب مصر، لأن مصر ليست ملك شعبها، إنها مصر بتاعتهم ... مصر السادة، وليست مصر العبيد

فكيف يسأله العبيد .... للأسف، مازال هناك الكثير.


============================

مصر بتاعتهم «21»

د.نبيل فاروق


من أهم سمات فساد عصر العزب والمماليك، أنه عصر بلطجة، سواء بلطجة مباشرة، أو غير مباشرة، وهو

عصر عار قانون الطوارئ، وغياب قانون الحقوق وسريان مبدأ القرارات الإدارية، التي تحكم كل شيء، وتخالف كل القوانين، وتعتبر المواطن المصري مواطنًا من الدرجة الثالثة غير السياحية....

كل مسئول في موقعه يعتبر نفسه ناظر عزبة بلا صاحب، ويدرك أن هناك نظامًا فاسدًا خلفه يحميه، وهناك حجة الإرهاب، التي لعب عليها بوش، واتبعته كل النظم المحبة والعاشقة للديكتاتورية وحكم الفرد، لذا فهو يصدر قرارات تحد من حرية المواطن وتقهر مصريته علي أرض وطنه، كما لو كان مواطناً من دولة أخري، ولا يملك حتي تأشيرة إقامة....

حتي تاريخنا، أصدروا قرارات إدارية وسيادية (بمعني احتلالية)، بحرماننا منه، ففي عهد مبارك، أصبح المصريون ممنوعين من دخول معظم الأماكن الأثرية، ويعاملون كمجرمين، عند محاولة دخولهم لها، وحتي المتحف المصري، صار من المهين أن تدخله وأنت مصري، إذ سيستوقفك رجل أمن صغير الشأن، ضئيل الثقافة، منعدم الفكر، ليسألك أمام عائلتك، وبشكل مستفز للغاية، عن سبب زيارتك لمتحف آثار وطنك، باعتبار أن الزيارة الثقافية، أمر غير مقبول، في نظر حكام الثانوية العامة، بمجموع معهد إعدام الفنيين السياسيين بالعافية...

في ظل نظام مبارك، أصبح الأمن هو الحاكم الفعلي للبلاد، وهو صاحب الكلمة العليا والأخيرة، في كل شيء، بدءاً من الفن ورقابته، وحتي الترشيح لمجلس الشعب، الذي يفترض، في النظم الديمقراطية الحقيقية، أنه رقيب علي الأمن نفسه....

في عصر مبارك، صارت لنا شبه حرية أن نتكَّلم، ونكتب، ونصرخ، وننتحب، وما من مجيب..... أرجوكم...... ابكوا معنا.


============================

مصر بتاعتهم «22»

د.نبيل فاروق


عندما يبدأ الحديث عن مصر مبارك، أو عن مصر عصر مبارك، يصعب أن تجد نقطة يمكن التوقَّف عندها، فكل ما حولك يغريك بالكتابة عن فساد هذا العصر وتجاوزاته، وكل لحظة تعيشها فيه، تدرك كم هو عصر فاسد، زائف، قمعي، فاشي، فارغ الفكر والموقف، منعدم الكرامة الوطنية، غير أمين علي وطن بأكمله، فقط ليحمي فساد شرذمة، لن يمضي الكثير، قبل أن تدفع لهذا الشعب ثمن جرمها وفسادها وخيانتها.

ولكن، ولأن الحديث غير مجد، في هذا العصر، الذي يتكلمون وحدهم فيه، ولا يسمعون أحداً، فلابد من نقطة، يحسن التوقَّف عندها.

نقطة نهاية سلسلة من المقالات، وبداية نهاية نظام.

وكل ما يمكنني أن أنهي به الحديث هنا، هو تلك العبارة، التي أصبحت مثالاً للفساد، من كثرة ما نهب بسببها من أموال المعونات الأجنبية المستباحة.

عبارة (انظر حولك).

انظر، وستري فساد هذا العصر في كل مكان حولك .... في فساد الشوارع، والحكومة، ورجال الأمن، والسياسيين، وحتي كبار رجال النظام.

انظر حولك، وستري كم ينهبونك، ويستولون علي خيرات عزبة أبوهم الصامدة، التي تحمل علي الخرائط اسم مصر.

انظر حولك، وشاهد كيف انتشر الفساد والرشوة والمحسوبية، وكيف عادت سيطرة رأس المال والإقطاع وكيف، بعد ما يزيد علي نصف قرن من حركة يوليو، أصبحنا بحاجة إلي حركة أخري، تعيد إلينا مصر.

انظر إلي كل مسئول تعرفه، وكل رجل أمن تقابله، وكل عضو حزب وطني تعرفه، وكل متجاوز، وكل فاسد، وكل لص، وكل مجرم، وكل منافق، وكل ماسح جوخ، لتري أنهم قد أصبحوا، في ظل نظام فاس هم قمة المجتمع ..... انظر حولك ألف مرة، ثم سل نفسك في صراحة .... أهي مصرك، أم ..... مصر بتاعتهم ؟!



نقلاً عن جريدة الدستور ...

إبراهيم عيسى يكتب: الطريق إلي رئاسة مصر

انزعجوا جدًا في فيلق قيادات الحزب الوطني في الأيام الأخيرة من طرح أسماء كبيرة ومهمة مثل الدكتور محمد البرادعي والدكتور أحمد زويل وعمرو موسي علي قائمة الترشح لرئاسة الجمهورية، وتتالت تصريحات بالترتيب من محمد كمال ثم علي الدين هلال ثم تدخل كبير دهاة مصر السيد صفوت الشريف وبعده الخبير الكبير محامي الحكومة دكتور مفيد شهاب وجاء جمال مبارك شخصيا ليضيف إلي تل التصريحات كومًا جديدًا من ترابه، إضافة إلي ما جادت به قريحة الصحف الحكومية من اتهامات حيث لا تجيد غيرها في الغالب!
ثمة قلق وتوتر وتخبط (كذلك) في حملة قيادات الحزب الوطني ضد هذه الأسماء، وهي حملة ارتكزت علي:
1-أن هذه الأسماء وغيرها من بنات أفكار الصحف الخاصة وأنه محض لغط إعلامي.
2- أن هذه الأسماء المطروحة للرئاسة رغم جدارتها العلمية والشخصية هي غير مؤهلة لمنصب ومسئولية الرئاسة.
3-أنها شخصيات غير حزبية ومستوردة من الخارج (خارج الساحة مع بعد المسافة عن الواقع المصري).
4-أن الجدل واللغط والموضوع كله سابق لأوانه فنحن فين والانتخابات الرئاسية فين.

عظيم، أولا: يجب أن نحترم هذه الردود ونعتبر أنها تعبير عن مشاركة حية ومهمة من قيادات الوطني للقضايا الموضوعة علي أجندة المصريين، وأن هؤلاء أدركوا أنه لم يعد ممكنا ولا مطلوبا ولا مفيدا ولا شهابا كذلك أن يتعاملوا مع الإعلام الخاص بالصمت والتجاهل والغطرسة (وإن كنا نلمح في تصريحات جمال مبارك غطرسة ورغبة حارقة وفاشلة في التجاهل، وهو ما يبدو انفعالاً دفاعيًا عن النفس، فرغم كل محاولاته ليضع أجندته الخاصة علي النقاش في مصر تأتي منابر وصحف ومعارضون يبددونها بددا ويجرونه مع رجاله جرا لحلبة هو لا يطيقها ولا يريدها ولا يجيدها).
ثانيا: إننا نلمح قدرًا من التوافق بين تصريحات كل أطراف الوطني رغم التمثيل العادل للحرسين القديم والجديد في نسبة المصرحين، وهو دليل علي تنسيق بين الطرفين، مما يعني أن أحدهما لم يكسب بعد المعركة، فلا فريق التمسك اللانهائي والأبدي بالرئيس مبارك (وقد منحوه لقب الزعيم ) في منصب الرئاسة قد كسب ولا فريق نصح الرئيس بالاعتزال وتسليم وريثه البيولوجي ميراثه السياسي قد نجح.
ثالثا: إن هذا اعتراف من الجميع بأن مصر مشغولة بمستقبلها وبرئيسها القادم، وأن أي محاولات تمرير وتفويت وتبليع خطوة عصية وعصبية مثل ترشح النجل للرئاسة لن تكون سهلة وميسورة وآمنة أبدا.
ننتقل إلي محاور ردود قيادات الوطني:
1- هل صنعنا أو اختلقنا أو اخترعنا نحن الصحف الخاصة أسماء المرشحين للرئاسة مثل البرادعي وزويل وموسي؟
الإجابة لا، لا قاطعة وحاسمة، هذا مبدئيا شرف لا ندعيه، لكنه يبدو تهمة أحب أن أدفعها، فالمؤكد أن الصحف تناولت وأفردت واهتمت وركزت وكثفت لكنها لم تخترع، فالحقيقة أن هناك دوائر مهمة ومنسية في تشريح قيادات الوطني للواقع، فهناك شباب علي الأرض أكثر نشاطا وحمية وحماسًا وحيوية رغم الركود والجمود الذي تعيشه الساحة الرسمية، هؤلاء يطرحون أسماء وينشطون بوسائل التكنولوجيا الحديثة ووسائط الاتصال الجديدة في جمع توقيعات وإصدار بيانات وعمل حملات دعوة ودعاية لشخص أو لاسم أو فكرة، مثلا اسم الدكتور البرادعي مطروح منذ الصيف الماضي، وهناك حملة من مجموعة من الشباب معظمها ينتمي لحزب الوفد (بصرف النظر عن معرفة قيادات الوفد بها أو ادعائهم هذا فهذا أدعي إلي تصديق هؤلاء الشباب) ينشطون في الدعاية للبرادعي، وهناك مجموعات مثيلة علي النت بالمناسبة تدعو لاسم جنرال من داخل النظام الحاكم نشيطة ودءوبة أيضا، ثم هناك لجان شعبية تتكون كل يوم في مصر وتجتمع في كل ساعة وتعلن همها ببلدها ورؤيتها للحل واسما لمرشح تتبناه وتطلبه، وهناك علي الناحية الأخري حركات ضد التوريث وتحالفات سياسية من خارج إطار الأحزاب المعارضة الكسيحة والمسنة وهي تملك طموحها أن تري فلانا أو علانا علي مقعد الرئاسة؛ اسم عمرو موسي مثلا يتردد منذ الانتخابات الرئاسية الماضية وموجود علي كل قوائم استطلاعات الرأي ونوقش في هذه المسألة كثيرا وتمنع أكثر ولاتزال إجاباته التوائية وغامضة يصح أن تكون حذرة ومتحوطة ويمكن أن تكون تعبيرا عن رغبة تعجز عنها القدرة. أما اسم الدكتور أحمد زويل فالرجل كان اسما مهما أيضا في طموحات الناس منذ الانتخابات الرئاسية السابقة وقد تلقي مئات من الرسائل وآلافاً من الأمنيات كي يتقدم الصف ويعلن عن ترشيح نفسه، ودعته ولاتزال تدعوه أحزاب حية وشابة تطلب منه أن يقود مصر إلي نهضة علمية وسياسية، والرجل في إجاباته مهموم ومهتم ويتحدث عن هذا الطرح مع كثير من الشخصيات العامة والإعلامية فعلا، والأمر مفتوح ومتاح، فضلا عن أن هناك من طرح نفسه بنفسه بقوة وخلفه في الشارع الجماهيري جمع غفير وأنصار من الشباب المعجب والمؤيد والمريد... إذن قائمة المرشحين طبيعية للغاية ومنطقية جدًا وليست ضربًا من تدبير صحيفة ولا دربًا تسلكه جريدة نحو مزيد من الشهرة والاهتمام والتوزيع! وإذا تأمل منصف معالجات الصحف (أحدد الزميلة الشروق إلي جانب الدستور) يجدها قائمة علي تغطية البيانات التي تطرح أسماء المرشحين وكذلك متابعة لمجموعات الفيس بوك (بما فيها مجموعات جمال مبارك نفسه) وتصريحات وحوارات وبيانات الشخصيات المرشحة وردود أفعال السياسيين وأقوال وردود أفعال قيادات الوطني، إلي جانب تحليلات وكتابات مفكرين وصحفيين حول الموضوع المطروح وهذا كله محض عمل صحفي، فلا أصدرنا بيانًا نؤيد أحدهم ولا شددنا علي قبضة أحدهم ولن نحزن أو نبتئس لو تراجع أحدهم أو كلهم عن الترشح، نحن نصنع الاهتمام لكن لا نصنع الحدث!
2- هل جائزة نوبل تكفي كي يترشح حائزها المصري لرئاسة مصر؟
الإجابة :لا تكفي طبعا ولكنها لا تمنع قطعا، هي ليست ضمن المؤهلات الواجبة للترشح للرئاسة لكنها أيضا تضيف أهمية وتضفي مكانة وتؤكد تميزا وتعلن امتيازا لصاحبها ضمن مؤهلات الترشح للرئاسة، ثم البرادعي وزويل تحديدا ليسا من العلماء المنكفئين في معاملهم أو مكاتبهم بل هم مغموسون في الواقع المصري والعربي والدولي؛ زويل ليس عالمًا في الكيمياء فقط بل شخصية مثقفة وجماهيرية من طراز فريد ومخطط استراتيجي ومن البنائين العظام لمشروعات نهضة وتقدم وهو خطيب رائع ويتمتع بحضور وكاريزما لا يملك مثلا جمال مبارك واحدا علي مليون منها، بل من التهور أي مقارنة بين الاسمين فعلا، ثم زويل صديق ورفيق ومستشار لزعامات دول وأمم، يكتسب من رحلاته وحواراته وتفاعلاته معهم رؤية العمل السياسي الكبير الحقيقي، ولأحمد زويل كتاب بعنوان «عصر العلم» يكفيه أن يكون برنامجًا انتخابيًا يغير وينور مصر وعشر بلاد جنبها لو نفذ منه فصلين أو ثلاثة، أما البرادعي فهو أستاذ قانوني عظيم ورجل يدير أعقد وأخطر ملفات الكرة الأرضية وهو ملف الطاقة الذرية، ويعيش حياته منذ ثلاثين عاما في المفاوضات والمناقشات السياسية والحقل السياسي بين الدول والرؤساء والزعماء، وحصل علي جائزة نوبل في السلام، وهو ما يعني أنه يغطس في بحر السياسة فعلا، وهو صاحب موقف ومالك رؤية وصانع سيرة مشرفة ويملك حضورا آسرا وجماهيرية واسعة بمواقفه العظيمة المتحدية للهيمنة الأمريكية وللغطرسة الصهيونية ومنتصر للعدالة بل رمز لها، وهو داهية في الخروج من المآزق الدقيقة ومخطط حكيم في مواجهة فوضي الساحة الدولية، ثم هو واحد من دعاة الديمقراطية والحكم الرشيد في محاضراته ومسيرته القانونية والدولية وقد أجبر العالم كله علي محبته واحترامه فحاز نوبل دليلا، ثم هو شخصية ذات حضور مدهش وخطيب متمكن وعربيته فصيحة وجزلة وأخاذة وثقافته الفكرية والأدبية عميقة والتصاقه بمصر مؤكد وأصيل وعائلته ممن أخذت السياسة رسالة وليست وراثة، ثم البرادعي كما زويل كما أي اسم آخر يملك من المؤهلات، الأهم هو أنه ليس ابن رئيس تربي علي أن ينافقه من حوله ويصعد بفضل أبيه وبواسطته وبالضغط علي الرئيس كما قال الرئيس نفسه كي يدخل ابنه الحزب، ثم مؤهلات زويل أو البرادعي أو من علي شاكلتهما أنه يملك تفكيرا علميا وعقليا وليس مجرد موظف في بنك تحول بخير أبيه وبفضل منصب والده إلي زعيم علي أمانة سياسات دون أن يرشح نفسه كي يكون حتي ألفة في فصل في إعدادية أو عضوا في اتحاد طلبة، بينما ترشح غيره لرئاسة أهم وكالات العالم، ودعك الآن من زعامات حركات طلابية وأعضاء برلمان وقادة نضال طلابي وسياسي وخطباء مظاهرات ومؤتمرات بل رموز تنظيمات كانت سرية، دعك من هؤلاء فلا مقارنة إطلاقا بين مؤهلاتهم السياسية والحزبية برجل مولود في السياسة بملعقة من ذهب، وأكبر عقبة كانت في طريقه السياسي هي بماذا ينادي قيادات حزبه بغير كلمة أونكل التي كان قد اعتاد عليها معهم!
زويل والبرادعي يملك كلاهما أو من علي شاكلتهما أن يكون عادلا ويكره التزوير وتزييف الانتخابات وليس صديقا للمحتكرين ولا لمصدري الغاز لإسرائيل وللاعبي المنتخب، بل للعلماء والمفكرين والسياسيين من كل الاتجاهات والألوان، يملك زويل والبرادعي أو من علي شاكلتهما، أن يكون قد قرأ ويقرأ كتبا في حياته ويفهم في السياسة والسينما والشعر وليس كل معرفته هي أفضل تشكيل لمنتخب مصر أمام الجزائر أو فريق النسور في الدورة الرمضانية، أو من ينفع.. رشيد ولاّ المغربي!!
ثم لو المسألة مؤهلات فهل كان للرئيس حسني مبارك يوم صار رئيسا أي خبرة في أي حاجة في السياسة سوي كونه بطلا عسكريا في حرب أكتوبر؟!
ثم لا تزكية ولا تعلية لمكانة زويل والبرادعي عن غيرهما، لنترك المواطن ينتخب انتخابا حرا ويختار من يريد رئيسا سواء كانت إمكاناته أعظم ما في المشهد المتاح أم كانت إمكانات وهمية أو متوهمة، فالحقيقة أنه لا توجد لجنة وصاية مهمتها التأكد من مؤهلات وصلاحية المرشحين للترشح وكأنها لجنة صيانة الدستور في إيران التي تختار وتقوم بتنقية المرشحين (سمعنا جملة متعالية وغريبة من شخصية كبيرة قالت: كله ما ينفعش ولا واحد فيهم ينفع!! بأمارة إيه ومن الذي يملك أن يحكم إن شاء الله)! الأمر متروك للناخب ليحسم ويمارس دوره في الاختيار، وكما كتبت وقلت وأقول ييجي اللي ييجي فلا يعنينا الاسم بقدر ما يعنينا أن يأتي بانتخابات حرة نزيهة بلا تدخل أمني ولا تزوير من الحزب الوطني!
3- هل يمكن أن يترشح مستقلون ولماذا لا يترشح حزبيون؟ وتسمع من قيادات الوطني كلاما عن الأحزاب كأنه فعلا فيه في مصر أحزاب ! وكأن هذا الحزب الحاكم الذي يجثم علي قلب وصدر مصر يسمح لأي حزب حقيقي بالظهور وإن سمح له بالظهور فإنه يضربه بانقسام وانشقاق أمني وإن لم يشقه منعه من الحركة والاشتباك مع الواقع، وهو يكتفي بأحزاب المسنين الذين تيبست مفاصلهم أو يعانون من الزهايمر وأمراض الشيخوخة أو برجال أمن الدولة وأشقاء أمانة السياسات الذين يحتلون الأحزاب الأخري أو أمناء الشرطة الذين صرفوا لهم أحزابًا كرتونية مهمتها إثارة السخرية من الأحزاب في مصر، الوطني يذكرك بالرجل الذي يؤجر عدة شبان ليضربهم أمام حبيبته كي تظن أنه بطل فإن انصرفت سارع واعتذر للمُؤَجَّرين علي شدة صفعاته ثم ناولهم أجرهم مع بقشيش جزيل!
أحزاب المعارضة مُؤَجَّرة مفروش للحزب الوطني إلا بعض الأحزاب التي تقاوم وتواجه مثل الجبهة والغد وبقايا من ضمير وطني يلفظ أنفاسه الأخيرة في بعض الأحزاب الأخري التي تقيحت من قرحة فراش من طيلة ما نامت فوق سرير الحكومة!
ومع ذلك فهناك من يرشح نفسه من خلال أحزاب، أما أن تدعو أحزاب معارضة لهذه الأسماء مثل زويل والبرادعي وموسي فهو ليس دليلاً علي إفلاسها بل دليل علي ترفعها عن طرح أسماء أقل جدارة، وإعلاء لقيمة الإجماع الوطني والنبوغ السياسي علي قيمة الولاء أو بالأحري الأنانية الحزبية، ثم إن أي مرشح منهم لو انضم لحزب أو رشحه حزب فهذا لأن كليهما تلاقي مع الآخر، فإما وجد الحزب في البرادعي أو زويل أو موسي شخصا يعبر عن أفكار وطموحات ورؤي الحزب أو رأي الشخص ذاته في الحزب منبراً لذات أفكاره ومنهجه ونهجه.
يبقي صابت وطابت، ثم إنه يمكن لأحدهم أن يترشح في هذه الانتخابات مستقلا، فالنص البشع والشائه والمتفصل تفصيلا عند ترزية جمال مبارك والمطبوخ بالسم في قبو ضيق وخانق وقميء يسمح رغم كل تلك النية الثعبانية بترشح مستقلين والقول بأن الحصول علي عدد الأصوات اللازمة للترشح من بين أعضاء البرلمان والشوري والمحليات صعب بل مستحيل فهذا يعري واضعي المادة 76 ويكشف عوراتهم بطنا وظهرا، لكن زويل أو البرادعي أو موسي قادر أي منهم علي الحصول علي هذه الحصيلة وإلا انكشفت مصر أمام العالم بأسره في ديكتاتوريتها واستبدادها وتزويرها لدرجة أن زويل أو البرادعي لا يمكنهما الحصول علي نسبة تؤهلهما للترشح!.. يا للعار الذي سيلاحق نظامنا ويلحق به أذي قد لا يتحمله نظام هش قائم علي التزوير، وحتي الولايات المتحدة الأمريكية بكل ما يملكه أوباما من ميوعة مع الطغاة لم تستطع غض البصر ولا التطنيش علي تزوير الانتخابات الأفغانية رغم أن نتيجتها كانت لصالح عميلها حميد قرضاي، فحتي قرضاي لا تقدر أمريكا ولا الغرب علي السماح له بصفاقة التزوير وعلانيته!
4- هل هذا الكلام عن الترشح للرئاسة سابق لأوانه؟
الغريب أن دوائر جمال مبارك ذات نفسها كانت تحارب كي يسمي مؤتمر الحزب الوطني المنعقد بعد أيام اسمه للترشح للرئاسة، أي قبل الانتخابات بعامين وساعتها لم يكن الأمر سابقا لأوانه، لكن عندما فشلت تلك الدوائر نتيجة تمسك الرئيس مبارك حتي الآن علي الأقل بأن يرشح نفسه للمنصب لولاية سادسة وعدم حماسه حتي الآن لسيناريو القفز علي الجمهورية وتوريث ابنه، وكذلك نتيجة ذكاء رجل مثل صفوت الشريف قليل جدا مما يحدث في مصر لا يكون بعيدا عن يده، فقد فشل جمال وجماعته في طرح اسم الوريث للرئاسة، فساعتها صار الكلام عن الترشح للرئاسة سابقا لأوانه!
لكن عموما هو ليس سابقا لأوانه لأن أحدا لا يعرف متي يأتي أوانه، فقد يأتي الأوان حتمًا وقدرًا، وقد يأتي نتيجة رغبة الرئيس مبارك إذ فجأة في الاعتزال مثلا، ثم إن عامين علي الانتخابات الرئاسية مدة قليلة جدا وضيقة للغاية أيضا بالنسبة لمرشح في مصر مفترض:
أ- أن يكون عضوا في اللجنة العليا للحزب الذي سيرشحه قبل عام علي الأقل للترشطح، إذن أي مرشح ليس عضوًا في اللجنة العليا عليه أن يبدأ قبل عامين علي الأقل السعي لهذه العضوية حتي تتوافر فيه شروط الترشح.
ب- أن المرشح المستقل في حاجة لجمع عدد كبير من توقيعات الموافقة علي ترشيحه من أعضاء شعب وشوري ومحليات، وهو ما يستغرق وقتا ويحتاج شوطا من المفاوضات والمناقشات والزيارات والإقناع والمناهدة والمناكفة وهو ما يحتاج معه لجملة من الأنصار والنشطاء الذين سيشكلون حملته ومن ثم لابد من التبكير بالإعلان وبالحركة (هناك انتخابات للبرلمان أسبق وقد تشمل شيئا من التنسيق بين مرشح للرئاسة وبعض مرشحين للبرلمان لمؤازرته مثلا).
ج- أن أي بلد محترم ديمقراطيا يتم طرح اسم مرشحي الرئاسة قبل وقت طويل أقله عامان، حيث هناك في بعض الدول سباقات تمهيدية في الأحزاب أو حملات انتخابية طويلة الأمد والنفس وهذه الفترة تُكْسِب المرشح- إلي جانب الخبرة- مزيدا من التواصل والدعاية، فضلا عن أنه يقدر علي تقديم نفسه وتعديل استراتيجيته بل تغيير أفكاره علي مدي زمني تتيحه فترة الترشح الطويلة.
د-اعتقاد أن المدة طويلة والإحساس بأن إحنا فين وسنة 2011 فين، تفكير مصري صميم حيث لا يتمتع بحس التفكير المستقبلي ولا التخطيط العلمي ولا الاستراتيجية المرسومة رغم أن أول درس تعلمناه في مدارسنا التي لا يبدو أننا لم نتعلم منها غيره، هو من زرع حصد، والزرع يأخذ وقتاً في الغرس والري والرعاية والنمو.. حتي يأتي الحصاد، فإما تحصد المحصول أو تحصده الدودة يا حبة عيني!!

الثلاثاء، أكتوبر 27، 2009

إباء




داناية الله العظمى المرجع الديني الشيخ لطف الله صافي الكلبايكاني احد مراجع الدين في ايران ،التفجير الارهابي في بغداد وقال ان الوهابية بيضت وجه الصهاينة بارتکابها عمليات القتل الوحشية. واضاف اية الله صافي کلبايکاني امس الاثنين ،في درس خارج الفقه ،ان هذه الفرقة وبارتکاب عمليات قتل بربرية وواسعة،جعلت المسلمين يشعرون بالخجل وقد بيضت وجه الصهاينة.
وقال انه لافرق في الاسم الذي يطلق على هذه الفرقة سواء کان "القاعدة او طالبان او اي شيء اخر "موضحا ان ممارسات هذه الفرقة جعلت المسلمين في البلدان غير الاسلامية يخشون ان يعلنوا بانهم مسلمون موکدا بان الوهابية اساءت الى الاسلام والمسلمين .
واشار اية الله صافي الكلبايكاني الى جرائم هذه الفرقة الضالة بما في ذلك تدمير الاماکن المقدسة في مکة المکرمة والمدينة المنورة وقال ان الوهابية ومن خلال الدعم المالى والمدارس التي اسستها عملت على زعزعة الامن في کل مکان وليس فقط في العراق او افغانستان وباکستان.
واشار مرجع التقليد الى جذور عداء الوهابية في العراق وقال ان الوهابية عارضت ومنذ البداية تشکيل حکومة شيعية في العراق وعملت على مواجهتها لانها ترفض تشکيل حکومة شيعية في المجتمعات العربية.
واکد على ان الحکومة بيد الاغلبية في غالبية المجتمعات وقال "رغم ان الدستور العراقي لم يصرح بالحکومة الشيعية الا انه ونظرا لان الشيعة يشکلون غالبية ابناء الشعب العراقي فان اکثرية المسؤولين العراقيين هم من الشيعة وهذا لا يطيقه اعداء التشيع".

ارتفاع حصيلة ضحايا تفجيري بغداد لــ 155 شهيدا و 500 جريح والقوات العراقية تعلن حالة التأهب القصوى

  إباء



أعلنت مصادر طبية وأمنية عراقية اليوم الاثنين ارتفاع عدد ضحايا التفجيرين الانتحاريين اللذين وقعا أمس الأحد في العاصمة بغداد إلى 155 شهيدا وما لا يقل عن 500 جريح.
وقد تسبّب التفجيران اللذان وقعا بالقرب من وزارة العدل ومبنى مجلس محافظة بغداد في حي الصالحية بوقوع أضرار مادية بالغة في المكان.

هذا وقد وضعت قوات الأمن العراقية في حالة تأهب قصوى بعد التفجيرات الضخمة التي حولت وسط بغداد إلى بركة دماء. وسجل انتشار أمني كثيف في طرق عدة في وسط بغداد، وانتشرت العديد من آليات الجيش فيما أنشئت نقاط تفتيش جديدة، مما اضطر الكثير من السكان إلى السير للوصول إلى أماكن عملهم.
ومنعت حركة المرور في محيط موقع التفجيرين، فيما سمح لعدد قليل من السيارات بالمرور، في وقت عملت عشرات الآليات التابعة للبلدية على محاولة إصلاح ما دمر في المنطقة.
وكان رئيس الوزراء نوري المالكي قد ترأس اجتماعا طارئا لمجلس الأمن القومي في وقت متأخر الأحد لمناقشة الهجمات مع القادة العسكريين وضباط الشرطة، بحسب الناطق باسم الحكومة علي الدباغ.
وتفقد المالكي مكان وقوع الانفجارين وأكد أن "جرائم البعث والقاعدة لن تنجح في تعطيل العملية السياسية وإجراء الانتخابات التشريعية المقررة في 16 يناير/كانون الثاني.
وقد أثارت مسألة تكرار العمليات المسلحة ردود فعل شاجبة ومستنكرة، فيما طالبت لجنة الأمن والدفاع البرلمانية الحكومة بإعادة النظر في استراتيجيتها الأمنية المتبعة حاليا.