الأحد، سبتمبر 07، 2008






قضية الإمامة في كتب السنة


قلنا ، من قبل ، إننا سنقدم ما نعتقد أنه الصورة الحقيقية لقضية الإمامة . ولكي نتمكن من تقديم هذا التصور ، كان علينا ألا نقيد أنفسنا بما أورده أصحاب السنن في فصل الإمامة ، وألا نتقيد بمصدر واحد ، وإنما علينا أن نفتش في مصادر السنة المختلفة المتاحة لدينا .

وقلنا أيضا إننا سنلتزم بالقواعد القرآنية المحكمة التي لا يأتيها الباطل ، وخاصة قاعدة الاصطفاء الإلهي وأن حمل أمانة الدين والدنيا محصور في ذرية الأنبياء والهم لا غيرهم ، إلا إذا قام لدينا دليل قاطع يقول غير هذا الكلام ، ولا نظن أن رواية مكذوبة منسوبة إلى الرسول الأكرم تصلح لأن ترد صريح القرآن .

وهناك أيضا ملاحظة هامة ، وهي أننا لن نتعرض لأسانيد الأحاديث ، ورجالها ، ورواتها ، فمعظم الأحاديث التي سنوردها قد فرغ فيها القول وحققت وأصبحت أسانيدها مقطوع بصحتها .

كما لن نحرص على استقصاء كميع الروايات المتعلقة بالمسألة فإن هذا الأمر يطول ، وإنما سنركز على هدد قليل من الروايات التي ذكرتها كتب أهل السنة وصحاحهم ، تقودنا إلى ما نريد
.

1 - حديث الغدير . أخرج أصحاب السنن ، واللفظة لابن المغازلي عن زيد بن أرقم قال : ( أقبل نبي الله من مكة في حجة الوداع حتى نزل بغدير الجحفة بين مكة والمدينة ، فأمر بالدوحات فقم ما تحتهن من شوك ، ثم نادى الصلاة جامعة ، فخرجنا إلى رسول الله ( ص ) في يوم شديد الحر وإن منا لمن يضع رداء ه على رأسه وبعضه على قدميه من شدة الرمضاء حتى انتهينا إلى رسول الله ( ص ) ، فصلى بنا الظهر ثم انصرف إلينا فقال : الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله .

أما بعد ، أيها الناس فإنه لم يكن لنبي من العمر إلا نصف عمر من قبله وإن عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة وإني قد أسرعت في العشرين ، ألا
وإني أوشك أن أفارقكم ، ألا وإني مسؤول وأنتم مسؤولون فهل بلغتكم فماذا أنتم قائلون ؟ فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقولون : نشهد أنك عبد الله ورسوله قد بلغت رسالته وجاهدت في سبيله وصدعت بأمره وعبدته حتى أتاك اليقين ، جزاك الله عنا خير ما جازى نبيا عن أمته . فقال : ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وتؤمنون بالكتاب كله ؟ قالوا : بلى . قال: فإني أشهد أن صدقتكم وصدقتموني ألا وإني فرطكم وأنكم تبعي توشكون أن تردوا علي الحوض فأسألكم حتى تلقوني عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما . فأعيل علينا ما ندري ما الثقلان حتى قام رجل من المهاجرين قال : بأبي أنت وأمي يا نبي الله ما
الثقلان ؟ فقال ( ص )
: الأكبر منهما كتاب الله تعالى سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم فتمسكوا به ولا تضلوا ، والأصغر منهما عترتي من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم فإني قد سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني ناصرهما لي ناصر ، وخاذلهما لي خاذل ، ووليهما لي ولي وعدوهما لي عدو ، ألا وإنها لم تهلك أمة قبلكم حتى تتدين بأهوائها تتظاهر على نبوتها وتقتل من قام بالقسط . ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها ثم قال : من كنت مولاه فهذا مولاه ومن كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . قالها ثلاثا ) ( 1 )


* ( هامش ) *
( 1 ) للتوسع في مصادر حديث الغدير ، أنظر : - سنن الترمذي : 2 / 298 دار إحياء التراث العربي - بيروت ( غير مؤرخ ) . - سنن ابن ماجة : 1 / 43 حديث رقم 116 . تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار الفكر - بيروت . - المستدرك على الصحيحين 3 / 109 ، 533 دار الكتب العلمية - بيروت 1411 ه‍ . - مسند أحمد بن حنبل : 4 / 270 دار الفكر - بيروت . ( * )

2 - خطبة حجة الوداع روى الترمذي ، في الباب ( 32 ) ، تحت عنوان ( مناقب أهل بيت النبي ( ص ) ، حديث رقم ( 3786 ) ، بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري : ( رأيت رسول الله ( ص ) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب ، فسمعته يقول : أيها الناس إني تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تظلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ) ( 1 ) .

وفي حديث رقم ( 3788 ) للترمذي أيضا عن زيد بن أرقم قال : ( قال رسول الله ( ص ) : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض . وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلوني فيهما ) ( 2 ) .

3 - حديث المنزلة روى البخاري وغيره من أصحاب السنن عن رسول الله ( ص ) ، أنه قال لعلي بن أبي طالب : ( أنت مني بمنزلة هارون

* ( هامش ) *
( 1 ) أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي : الجامع الصحيح ، 5 / 621 . دار الكتب العلمية - بيروت 1408 ه‍ / 1987 م .
( 2 ) المصدر نفسه ، 5 / 622 . ( * )

من موسى غبر أنه لا نبي بعدي ( 1 ) .

4 - حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها روى ابن المغازلي الشافعي عن جابر بن عبد الله قال : ( أخذ النبي ( ص ) بعض علي فقال : هذا أمير البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره ، مخذول من خذله . ثم مد بها صوته فقال : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب ) .

وأخرجه الحاكم بهذا السند في مستدرك على الصحيحين : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب ) .

كما روى ابن المغازلي الشافعي عن جرير عن علي قال : ( قال رسول الله ( ص ) : أنا مدينة العلم وعلي بابها ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها ) ( 2 )

* ( هامش ) *
( 1 ) روي هذا الحديث بهذا المعنى ، وبألفاظ مختلفة في المصادر التالية : - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ، 7 / 453 ط . دار الكتب العلمية - بيروت - كنز العمال للمتقي الهندي ، 6 / 395 . - مسند أحمد بن حنبل ، 1 / 170 و / 369 دار الفكر - بيروت - صحيح مسلم ، باب فضائل علي بن أبي طالب ، 5 / 23 حديث رقم 2404 . - صحيح البخاري كتاب بدء الخلق ، باب غزوة تبوك ، حديث رقم 3503 .
( 2 ) أنظر : الجامع الصحيح للترمذي ، 5 / 596 حديث رقم 3723 . دار الكتب = ( * )

5 - حديث براءة روى ابن كثير ، في تفسيره : ( تفسير القرآن العظيم ) ، عن الإمام أحمد عن أنس بن مالك : ( أن رسول الله ( ص ) بعثه ببراءة مع أبي بكر فلما بلغ ذا الحليفة قال : لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي فبعثها مع علي بن أبي طالب ) ( 1 ) .

ورواه الترمذي في التفسير ، وقال عبد الله بن حنبل عن علي : ( لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي ( ص ) ، دعا أبا بكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني فقال : أدرك أبا بكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه فاذهب إلى أهل مكة فاقرأه عليهم . فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ورجع أبكر إلى النبي ( ص ) فقال : يا رسول الله نزل في شئ ؟ فقال : لا ، ولكن جبريل جاءني فقال : لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل من منك ) .

وروى عبد الله أيضا عن علي : ( أن رسول الله ( ص ) قال لي : لا بد أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت . فقال : فإن كان ولا بد فسأذهب بها أنا . قال : إنطلق فإن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك . قال : ثم وضع يده على فيه ) . وروى ابن كثير أيضا عن إسرائيل عن زيد بن يثيغ : ( لما رجع أبو بكر قال : نزل في

* ( هامش ) *
= العلمية - بيروت 1408 ه‍ / 1987 م . - المستدرك على الصحيحين النيسابوري 3 / 137 حديث رقم 4637 و 4637 و 4638 - دار الكتب العلمية - بيروت 1411 ه‍ .
( 1 ) ابن كثير الدمشقي : تفسير القرآن العظيم ، 2 / 496 م . س ( * )

شئ ؟ . قال ولكن أمرت أن أبلغها أنا أو رجل من أهل بيتي ) وروى أيضا : ( لما نزلت براءة قال رسول الله ( ص ) : لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي ) ( 1 ) .

( إن الله تعالى عهد إلي عهدا في علي فقلت يا رب بينه لي ، فقال : إسمع ، فقلت : سمعت ، فقال : إن عليا راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، من أحبه أحبني ، ومنم أبغضه أبغضني . فبشره
بذلك . فجاء علي فبشرته . فقال : يا رسول الله أنا عبد الله ، وفي قبضته فإن يعذبني فبذنبي ، وإن يتم لي الذي بشرتني به فالله أولى بي . قال : قلت : اللهم أجل قلبه واجعل ربيعه الإيمان ، فقال الله : قد فعلت به ذلك ، ثم إنه رفع إلي أنه
سيخصه من البلاء بشئ لم يخص به أحدا من أصحابي . فقلت : يا رب أخي وصاحبي . فقال : إن هذا شئ قد سبق أنه مبتلى به
) ( 2 )

6 - أحاديث أخرى حديث . . ( من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويتمسك بالقضيبة من الياقوتة التي خلقها الله تعالى بيده ، ثم قال لها : كوني

* ( هامش ) *
( 1 ) ابن كثير : م . س . طباعة دار الكتب العلمية بيروت ( غير مؤرخ ) .
( 2 ) أبو نعيم الأصفهاني في حلبة الأولياء 1 / 86 . ( * )



فكانت ، فليتمسك بولاء علي بن أبي طالب ) . رواه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني ( 1 ) ورواه أحمد بن حنبل في المسند . حديث . . ( والذي نفسي بيده ، لولا أن تقول طوائف من أمتي فيك ما قالت النصارى في ابن مريم لقلت مقالا لا تمر بملأ من المسلمين إلا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة ) رواه أحمد في المسند . حديث . . قال رسول الله ( ص ) : ( يا أنس اسكب لي وضوءا ، ثم قام فصلى ركعتين وثم قال : يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين ، وسيد المسلمين ، وقائد الغر المحجلين ، وخاتم الوصيين .

قال أنس : قلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار وكتمته ، إذ جاء علي فقال ( ص ) : من هذا يا أنس ؟ فقلت : علي . فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ويمسح عرق علي بوجهه . قال علي : يا رسول الله لقد رأيتك تصنع شيئا ما صنعت بي من قبل ؟ قال : وما يمنعني وأنت تؤدي عني ، وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي
) حديث . . ( من سوره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويسكن جنه عدن التي غرسها ربي فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهما وعلما ، فويل للمكذبين من أمتي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي )

* ( هامش ) *
( 1 ) أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني : حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 1 / 66 . ط . دار الكتب العلمية - بيروت ( غير مؤرخ ) . ( * )

ليست هناك تعليقات: