الأحد، سبتمبر 07، 2008

النصوص القرآنية والأحاديث الواردة في مسألة الإمامة الجزء 4 والأخير





مناقشة الأحاديث السابقة

حديث الغدير . . أشهر من أن يعرف ، رواه معظم أصحاب السنن إن لم نقل كلهم وصححوه ، ولقد ذكرنا في الصفحات السابقة موارد ذكر هذا الحديث في صحاح أهل السنة .

وواقعة
( غدير خم ) معروفة الزمان والمكان ، حديث أثناء عودة المسلمين من حج بيت الله الحرام فيما عرف بحجة الوداع قبيل موت رسول الله ( ص ) بقليل ، أي في العام العاشر للهجرة الموافق 631 ميلادي .

فإذا كانت الحجة عرفت بأنها حجة الوداع فكلمات رسول الله ( ص ) كانت وصية الوداع من رسول وصفة القرآن
: ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) ( التوبة / 128 ) ، إنها كلمات
تحمل أقصى درجة من الأهمية والخطورة بالنسبة لمصير الأمة ومستقبلها ، هذه الوصية كانت بأمر الله سبحانه وتعالى وقد جاء في أسباب النزول للنيسابوري وغيره من المفسرين أن قوله تعالى
: ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك
وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس
) ( المائدة / 67 ) ، أنها نزلت يوم غدير خم ، وأن هذا التبليغ كان أمرا حيويا متمما ومكملا للرسالة الإسلامية ككل وإلا لما قال القرآن ( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) . ما هذا الجزء الذي يكمل الكل فيجعله تاما ؟ .

توضيح كلمات الخطبة هذه المعاني فتقول
( ألا . إني أوشك أن أفارقكم وإني مسؤول ) . إذن فالرسالة في غاية الأهمية ، إنها المسؤولية أمام الله عن الثقلين كيف خلفتموني فيهما ؟ أول الثقلين أو الثقل الأكبر هو كتاب الله ، إذن القضية قضية منهج وليست قضية عاطفة ، إنه نبي يوشك أن يفارق أمته فيوصيهم لا بالأولاد كما يفعل عوام الناس ، ولا بتنمية ناله ، ولكن يوصيهم بالحفاظ على المنهج ، بل ويحدد لهم وسيلة الحفاظ على هذا المنهج ، إن هذا لا يكون إلا بمتابعة الثقلين : الكتاب والعترة ، اتباع منهج ، وقيادة ، لا على سبيل العاطفة أو المودة فحسب .

فناصر الكتاب وأهل البيت ناصر الرسول ، وخاذل الكتاب والعترة خاذل للرسول ، إنها وصية مركزة ومحدودة تحدد المنهج ، وهو الكتاب أو النص وتحدد القيادة وهي قيادة أهل البيت الأقدر على فهم النص وتطبيقه ، ومطابقة السلوك مع المنهج ، فكيف إذن يمر الناس على هذا الحديث المتواتر مرور الكرام ؟ وإذا اضطروا لإثبات الفهم لجؤوا إلى تمييع الأفهام فيقولون
: ( ولا ننكر الوصاة بهم ) وهل كان رسول الله ( ص ) في حاجة إلى أن يجمع المسلمين في هذا الموضع ليوصيهم بذريته وحسب ؟ ، لا نظن هذا . ثم يلجأ الرسول الأكرم ( ص ) إلى مزيد من التحديد حينما يطرح ولاية أمير المؤمنين ( ع ) بصورة واضحة ومحدودة فيقول : ( من كنت وليه فهذا وليه ) ( 1 ) .

يقول بعض الباحثين : إن هذا الكلام لا يعني ولاية الأمر أو قيادة الأمة وإنما يعني النصرة والمحبة ، وهذا كلام عجيب ، فماذا كانت تعني ولاية رسول الله للأمة ؟ .

ألم تكن ولاية التشريع والقيادة
( من كنت مولاة فهذا مولاه ( 2 ) ، إنها ولاية من ولاية ، إنها من نفس الجنس والنوع والمعنى ، وليس هناك أي دليل أو قرينة لغوية تفصل بين الولايتين ، بل على العكس إنها قضية الامتداد تطرح في وقتها الملائم ( إني أوشك أن أفارقكم - من كنت مولاه فعلي مولاه ) .

بقي أن نقول إن هناك معنى عظيما في هذا الحديث ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ( وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) ، هذا المعنى هو أن هذه القيادة وإن غيبت ، فإنها لا تغيب بل وستبقى حاصرة في دين المسلمين ، إنها حاضرة حضور الكتاب في دنيا الناس حتى آخر الدنيا ، ثم إن هذه القيادة تحتفظ بصوابية
الكتاب الكريم نفسها ، إذ العترة عدل الكتاب ورفيقته في الطريق الحق ، وحاشا لكليهما من الزيغ والضلال .



* ( هامش ) *
( 1 ) المصدر السابق ، 1 / 63 - 64 .
( 2 ) أنظر مصادر هذه الأحاديث من كتب وصحاح أهل السنة في الصفحات السابقة . ( * )


ومن عجيب أن رواية الترمذي عن خطبة رسول الله ( ص ) في حجة الوداع ، وهي رواية تفرد بها تحمل المعنى نفسه بل النص والوصية نفسيهما
( تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) ، لقد كان رسول الله ( ص ) حريصا على أن يكرر الوصية نفسها في مسافة زمنية متقاربة .

وفي وسط أكبر عدد من جموع المسلمين اجتمعت في حجة الوداع ، ثم كان حديثه في
( غدير الجحفة ) تفصيلا وتأكيدا لوصيته يوم عرفة ، ثم إنها فوق كل هذا وصية مودع وصية ( رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) ( التوبة / 128 ) .

أما ( حديث المنزلة ) وقد قاله رسول الله ( ص ) ، قبيل مغادرته المدينة إلى غزوة تبوك في رجب من العام التاسع للهجرة ، 630 ميلادي ، وتبوك موضع في شمالي جزيرة العرب ، ولما انطلق النبي ( ص ) إلى الغزو ، استخلف عليا
( ع ) على المدينة فكانت هذه الكلمات
: ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ) ، فماذا كانت منزلة هارون من موسى ؟ فلنقرأ القرآن : ( وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ) ( الأعراف / 142 ) . إذا لقد كانت منزلة هارون من موسى هي منزلة الخلافة على الأمة ( اخلفني في قومي ) .

ثم نص القرآن على واجبات الخلافة ( وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ) .

وهل كان اختيار رسول الله ( ص ) للإمام علي ( ع ) لحمل آيات البراءة مجرد مصادفة خاصة ، وأنه ( ص ) كان قد أرسل غيره حاملا للرسالة ثم نزعها منه وأعطاها للإمام ؟ ، لقد كانت رسالة البراءة كما يلي : ( أيها الناس ، إنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عهد عند رسول الله ( ص ) فهو إلى مدته ) .

إن هذه المهمة التي أرسل فيها أمير المؤمنين علي ( ع ) هي من مهمات ( القيادة العليا ) بالتعبير السياسي الحديث مهمة إبرام المعاهدات أو نقضها ، مهمة وضع سيادة الدولة الإسلامية في إطارها النهائي ، ومن ثم كان اختيار الإمام علي لهذه المهمة متلائما مع دوره المقبل في قيادة الأمة الإسلامية في المرحلة المقبلة ، وإنه في هذه اللحظة كان يمثل ما تعارف عليه الناس بمصطلح ( النائب الأول ) ، وهذا المعنى واضح في كلمات الرسول ( ص ) : ( لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل من أهل بيتي ) أما حديث السفينة فهو يحمل المعنى نفسه الوارد في حديث الثقلين ، إنه يرتبط بين النجاة وبين التمسك بمنهج أهل البيت ( ع ) وولايتهم : ( مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك ) ، وهل كان ركوب سفينة نوح متاحا للمؤمنين والكفار أم أنه كان متاحا للمؤمنين من الصابرين دون غيرهم من المعاندين ؟ .

إنها كانت هدية الله لمن آمنوا وصدقوا
( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل * وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ) ( هود / 40 - 41 ) ، إنها سفينة النجاة تسير بأمر الله مجراها ومرساها لا بأهواء الناس ولا بضحالة علمهم ( وهي تجري بهم في موج كالجبال ) ( هود / 42 ) ، ثم هي بعد ذلك الوسيلة الوحيدة للنجاة من مهالك الدنيا والآخرة .

ويبقى ، بعد هذا ، حديث مدينة العلم ، هذا الحديث الذي شبه فيه الرسول ( ص ) علمه بالمدينة التي لا تؤتى إلا من بابها ، وبابها هو أمير المؤمنين علي ( ع ) ، ولطالما استعصى علي فهم قوله تعالى
: ( وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها ) ( البقرة / 189 ) ، هل نزلت هذه الآية لتعالج مشكلة تسلق أسوار البيوت فحسب ؟ ، ربما ، ولكني لا أظن أن مثل هذه الظاهرة تكفي وحدها لتعطينا مدلولا قاطعا مانعا يمنع انطباق مدلول هذه الآية على أية قضية أخرى . إن المدلول الأخطر والأهم هو تنظيم الهيئة الاجتماعية ، ووضع القيادة العلمية للأمة في موضعها الصحيح ، وهو موضع الباب ، وعلى كل من يريد الدخول أن يمر عبر الطريق الطبيعي وهو الباب ، فإذا لم يكن للمدرسة أسوار وأصبح الدخول مفتوحا لكل من هب ودب ، فإن هذا عين الفوضى الاجتماعية والعلمية والأخلاقية ، ثم وجدت ضالتي في كلمات الإمام علي ( ع ) : ( نحن الشعار والأصحاب ، والخزنة والأبواب ، ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا ) ( 1 ) .


* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر ص ( 57 ) من هذا البحث . ( * )

هناك تعليق واحد:

مطلق يقول...

انا شايف ان عبد الله اكرم مليون مره من عبد الزهراء